في ليلة من ليالي الشتاء البارده في العاصمة الأفريقي بريتوريا كان لي شرف حضور ندوة بعنوان (مستقبل أفريقيا جنوب الصحراء) وإلتقيت بالصدفة بالسيد “إداورد مالوكا” مستشار وزيرة العلاقات الدولية والتعاون في جمهورية جنوب أفريقيا الذي ما أن عرفته بنفسي وأطلعته على سبب وجودي في أفريقيا لما يقارب الثماني سنوات كباحثة خليجية في الشأن الأفريقي حتى إبتسم راضياً ومستمتعاً بحديثي فإنتهزت تلك الفرصة التي قد لا تتكرر لي مرة أخرى فسألته : سيدي الكريم في ثلاثينيات القرن الماضي كانت المكسيك مملكة يحكمها الملك إداورد فرجاس وكانت تعج بحرب أهليه مفجعه فتوجه مجموعة من وجهاء المملكة إلى الملك فسألوه يا جلالة الملك ما مشكلة المكسيك الأساسية ؟ فقال لهم الملك مشكلة المكسيك الأساسية هي قربها بحدودها مع الولايات المتحدة الأمريكية وبُعدها بروحها عن الله ( إنتهى حديث الملك) ، واليوم أنا أسألك يا سيد مالوكا ما مشكلة أفريقيا الأساسية ؟ فكانت إجابته مشكلة أفريقيا الأساسية إنها لم تتخلص من الإستعمار .
(إنتهى حديث السيد مالوكا). زرتُ أفريقياجنوب الصحراء لأول مرة يوم الخميس الموافق 22/10/2009 ،دخلت تلك القارة خائفة مضطربة مُتسرعة ومتأفإفة وكثيرة الجدال وخرجت منها هادئة متعلمة صابرة ولكن كثيرة السؤال ، فمن بريتوريا إلى كينشاسا إلى الغابون إلى كوت ديفوارإلى غانا ومنها إلى شرق ووسط أفريقيا وجدت المواطن الأفريقي خاضع لمواطنته لم يختارها وغير مقتنع لقيمتها فيحصل الناس على جنسيتهم السياسية عن طريق إنتماء وراثي لم يختاروه ولم يختبروه، يترنح عامة الأفارقة بين بنية فوقية ( بقايا الدولة الإستعمارية) وماضي أفريقي تقليدي متداعٍ فتبعثرت ولاءاتهم بين نخب سياسية وأنساق قبلية مُنهاره بينما توجهت كثرة منهم نحو بوتقة الإنصهار بالمدن المُتسعه بحثاً عن نصيبهم الوهمي من الإستقلال .
فمنذ مؤتمر برلين 1884 الذي رسم الخريطة السياسية لأفريقيا الحديثة وفرض عليها أنماط جغرافية مصطنعه شديدة التباين وتقسيم الجماعات العرقية التقليدية وتشوية الأنماط الإجتماعية الإقتصادية التقليدية التي سرعان ما دُمجت ضمن دول جديدة وفصل أمم لها تواريخ غنية وموحدة في دول منفصلة فكانت المحصلة أن الافارقة أصبحوا مواطني دول جديدة فرضياً، أي بمجرد مولدهم في إقليم بعينه خاضع إسمياً لدولة ما وضمن حدود رسمتها قوة خارجية ورحلت، ولكن قبل رحيلها قامت بإنشاء دول على أساس الحدود الأرضية المصطنعه وجدت نفسها أمام مواجهة وحدات سياسية لم تتغير أسسها العرقية والدينية والثقافية منذ حقبة ما قبل الإستعمار وتلك الوحدات كان لها تاريخها وأساسها التكويني الراسخ، فظهرت ما تسمى بنزعة الإنسلاخ ورغبة معظم الشعوب الأفريقية لإعادة توحيد أعراقهم في دولة قومية موحدة واحدة، وتقسيم شعب الهوتو والتوتسي بين روندا وبروندي وشرق الكونغو وتقسيم الشعب الصومالي في القرن الأفريقي خير أمثلة على ذلك.
القوى الدولية في أفريقيا
من المنظمة الفرانكفونية 1971 إلى معاهدة لومي 1975 إلى سياسات التكيف الهيكلي إلى نادي باريس نجحت القوى الدولية في تقييد الدول الأفريقية والإستفادة من الموارد الطبيعية التي تزخر بها تلك القاره، بل وما زال هناك 14 بلدًا إفريقيّا يضع 85% من إحتياطاته الأجنبية في البنك المركزي الفرنسي (ضريبة لفوائد الرق والإستعمار)، ويُسمح للدول الأفريقية بالوصول إلى 15% فقط من مجموع الأموال السنوية المحولة إلى فرنسا، وإذا إحتاجت هذه البلدان إلى مبالغ إضافية فعليهم إقتراضها من الـ 65% من أموالهم الخاصة في الخزانة الفرنسية وبأسعار تجارية، وعلينا أن لا نستغرب من هذا بعد المقولة الشهيره للرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران عندما سُأل عن أفريقيا عام 1957 قائلاً دون القارة الأفريقية لن يكون هنالك تاريخ للدولة الفرنسية في القرن الواحد والعشرين.
أما الولايات المتحدة فلم تكن أفريقيا تمثل مصلحة ثانوية للولايات المتحدة قبل عام 1990، ولكن بعد نهاية الحرب الباردة وبروز القوى الإسلامية في القرن الأفريقي وإرتباطها بقوى إسلامية خارجيه تم طرح ما يسمى بالقرن الأفريقي الكبير، وتأسيس المجلس الإستشاري الأفريقي، وإنشاء أفريكوم ، وإطلاق مبادرة الساحل الأفريقي الكبير، أما التعاون الإقتصادي الأمريكي الأفريقي فتم تدعيمه بتمديد قانون النمو والفرص في أفريقيا مما سيوفر الضمانات اللازمة للإستثمارات الأمريكية طويلة الاجل، أضف إلى ذلك إكتشاف النفط الأفريقي الذي بسببه إرتفعت القيمة الإستراتيجية للقارة الأفريقيه فالنفط الأفريقي يتميز بإنخفاض نسبة الكبريت مما يقلل تكلفة عملية التكرير، أضف إلى ذلك قرب السواحل الأفريقية من الساحل الشرقي للولايات المتحدة وهذا ما أعطى النفط الأفريقي ميزة القرب الجغرافي التي تنافس بها منطقة الشرق الأوسط، كما أن أفريقيا متمايزة عرقياُ وثقافياً لا يضمها رابط تاريخي ثقافي مشترك وهذا ما يعوق تبنيها مستقبلاً لسياسة نفطية موحدة تجاه واشنطن والغرب. أما الصين فأسست ما يسمى بمنتدى التعاون الصيني الأفريقي ( فوكاك ) وبلغت قيمة الإستثمارات الصينية في أفريقيا 26 مليار دولار أمريكي حتى نهاية عام 2014، تدعمها الشركة النفطية الصينية العابره والحاملة لتفويض سياسي قوي Petro China ما جعلها قاعدة جذبت إهتمام الدول الغنية بالنفط في أفريقيا.
أين دول الخليج العربي من كل ذلك ؟
الحضور السياسي الخليجي في أفريقيا جنوب الصحراء ما زال متواضعاً وإنحصر على حصول بعض دول الخليج العربي على عضوية في الإتحاد الأفريقي بصفة مراقب، والدولة التي تحصل على عضوية مراقب في الإتحاد الأفريقي يسمح لها بالمشاركة في كافة أنشطة الإتحاد الأفريقي لكن لا يسمح لها بالتصويت على القرارات التي يصدرها الإتحاد، كما حصلت بعض الدول الخليجية على عضوية مراقب وهناك من حصلت على عضوية شريك في المنظمة الفرانكفونية، إلا أن الحضور الإقتصادي الخليجي في أفريقيا ( جنوب الصحراء) يتفوق على الحضور السياسي، ولذلك من المُفيد لدول الخليج العربي عمل الاتي :
• تفعيل وإبراز دور مؤسسات التفاعل الخليجي الأفريقي مثل منظمة المؤتمر الإسلامي بإعتبارها أحد أهم منظمات التنسيق الخليجي الأفريقي، جامعة الدول العربية ، والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية العاملة على الساحة الافريقية.
• زيادة التمثيل الدبلوماسي الخليجي المؤهل في القارة الأفريقية ( دول جنوب الصحراء).
• تطوير إستراتيجية خليجية خاصة لتعزيز العلاقات السياسيه والإقتصاديه بين دول الخليج والدول الإفريقية جنوب الصحراء يتم فيها تحديد المهام والإختصاصات ودور القطاعين الحكومي والخاص في تلك الإستراتيجية.
• بعد إندماج الكوميسا مع التكتلات الإقتصادية الأفريقية ( الساداك وشرق أفريقيا) وإعلان منطقة التبادل الحر ثلاثية الأطراف في يونيو 2015 يمكن لدول الخليج أن تنضم إلى مثل تلك التكتلات الاقتصادية بما تقتضيه مصلحتها لفهم العلاقات الإقليمية بين الدول الإفريقية من خلال تلك التكتلات.
• دعم المنتدى العالمي الأفريقي المقام في إمارة دبي ودعم القمة العربية الأفريقية لتفعيل التعاون بين الدول الخليجيه ودول القارة الأفريقية (دول جنوب الصحراء).
• يمكن المراهنة على دور دول أفريقيا ( جنوب الصحراء) في تأييد الدول العربية ودول الخليج كتأييد السنغال وجيبوتي لعاصفة الحزم وتأييد غينيا لدولة الإمارات في أكسبو 2020، ودعم السيراليون للقاهرة لنيل عضوية غير دائمة بمجلس الأمن 2016 -2017.
• يمكن لدول الخليج العربي المشاركة في إجتماعات الإتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا اوموا الذي إختار شعار (القطاع الخاص محرك التنمية الاقتصادية الإقليمية).
• تعزيز التعاون بين الشركات الخليجية العاملة في أفريقيا مثل شركة ويل الإماراتية و ابوظبي لطاقة المستقبل – مصدر و صندوق ابوظبي للتنمية وشركة موانىء دبي العالمية، و شركة زين الكويتية للإتصالات واجيليتي الكويتية التي تمارس نشاطها في 11 دولة أفريقية في قطاع الموانىء،وشركة أكوباور السعودية للطاقة، والصندوق السعودي لتنمية غرب أفريقيا و شركة موانىء دبي العالمية التي تدير محطة للحاويات في موزمبيق وغينيا الإستوائية وفي السنغال، ويمكن لصناديق الثروات السيادية الخليجية أن تلعب دور أكبر في أفريقيا.
تم نشر المقال في جريدة الفجر الإماراتية على
الرابط التالي :
أمــــــينة
الـــــعريمـــــي
باحــــثة
إمـــاراتية في الشـــــأن الأفـــــريقــــي
afrogulfrelations_21@outlook.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق