مملكة اليورانيوم الفقيرة
في فبراير الماضي وصلتني دعوة رسمية من
مستشار البرلمان النيجري الدكتور محمد جيرو لزيارة بلاده التي لم أكن أحمل لها
صورة عصرية غير تلك الصورة التاريخية الموغلة في القدم، فالنيجر كانت جزءاً من
مملكة برونو
العريقة تلك المملكة
التي حكمت وسط وغرب افريقيا من عام 1380إلى 1893م، وفي تلك الرحلة التي إستغرقت
عشر ساعات ونيف كان الصمت يخيم أجواء تلك الرحلة التي خلت من ركابها ووجدتُ نفسي
حينها أمام ذاكرتي التي أجبرتني على إغماض عيناي والعودة بالزمن إلى عام2009 وهو العام الذي ساقني فيه القدر لأول مرة لشعوب إفريقيا وحتى هذه اللحظة
التي أخط فيها هذه السطور وأنا في حالة ما بين الإيمان بما رأيته وضعف اليقين بما
كنتُ مؤمنة به قبل عام2009، ففي أفريقيا تعلمتُ أن الإيمان ليس بالضرورة أن يعززهُ
يقين،واليقين ليس بالضرورة أن تكون له جذور، والجذور ليست بالضرورة أن تكون صالحة،
نعم هكذا هو قانون الحياة في أفريقيا التي غادرتها ولن تغادرني أبداً
فور وصولي إلى العاصمة نيامي تبادرعلى مسامعي حديث الشارع النيجري
الذي تلخص في نقطتين:الأولى: الحديث عن الدور الليبي القديم في النيجر والذي تمثل
بمؤسسات علمية نهل منها أبناء الغرب الأفريقي علماً وافراً مثل المعهد الإسلامي
الليبي والمركز الثقافي العربي الليبي اللذان إفتتحا في سبعينيات القرن الماضي وكان لهما دور في تعزيز الثقافة والعلم في النيجر إلا أن دورها توقف
بسبب الأوضاع التي تشهدها ليبيا منذ عام 2011، والثانية: حجم التنافس
بين المدارس العربية والإيرانية والتركية والفرنسية ومؤخراً الصينية، ووقفت عند
هذان الملفان اللذان يبدوان أنهما يلمسان الجانب الثقافي لأهلنا في النيجر إلا
إنني ما إن إقتربت منهما حتى أدركت أبعادهما السياسية العميقة التي أخذتني بعيداً
هناك لأتأكد بعدها إلى أي مدى إستحكمت
تلك الأسس في نفوس الأفارقة وتحولت إلى أحجار تُحركها الأهواء كيفما شاءت إلى أن
أصبحت قواعد لابد من إتقانها لكل من تسول له نفسه التعدي على الكرامة الأفريقية مع
ضمان الإحتفاء به، و ترجمتُ
كل ما شهدته في ندوة علمية خاصة أقمتها في جامعة كعت العالمية التي إستضافتني إدارتها
مشكورة للحديث عن العلاقات النيجرية الخليجية التي ما زالت تحتاج إلى التطورفحجم التبادل التجاري بين دول الخليج والنيجر
لا يزال ضعيفاً ولكن يمكن أن تتحول النيجر ودول غرب إفريقيا إلى مزود رئيسي
للمعادن التي تحتاج إليها الصناعات الخليجية نظراً لوفرة الثروات المعدنية في
النيجر والنمو السريع لقطاع الصناعات التحويلية في دول الخليج
الكثير منا لم يتعرف إلى مملكة كانم وبرونو التي
إمتدت من النيجر مروراً بنجيريا لشمال
الكاميرون إلى تشاد ومنها إلى جنوب ليبيا، وفي
أواخر القرن التاسع عشر نجحت باريس في تحويل النيجر إلى إقليم فرنسي له تمثيل
نيابي في البرلمان الفرنسي حتى حصلت على إستقلالها 1960، إلا أن النيجر لم تعرف
للإستقرارمحلاً وذلك بسبب إستراتيجية فرنسا فريك التي أسسها جاك فوكار أو كما
يطلق عليه في التاريخ الفرنسي"سيد أفريقيا في الأليزيه"، فلقد فرضت
باريس إستراتيجية أطلقت عليها النخبة الأفريقية الوطنيةإستراتيجية لإستغلال الدول
الأفريقية،أما من وجهة النظرالفرنسية المُعلنة فهي شبكة تعاون بين باريس
ومستعمراتها القديمة في أفريقيا، ولكن ما أدركه المواطن الأفريقي أن باريس تهدف
إلى زيادة قواعدها العسكرية في
أفريقيا، وإجهاض أفريقيا من الأحزاب الوطنية، وضمان وصول الموارد الحيوية كالنفط والماس
واليورانيوم إلى باريس
تعد النيجر اليوم أحد أكبرمنتجي
اليورانيوم في العالم فتدفقت القوى الدولية عليها بسبب مواردها الحيويه
فها هي الصين تقوم بمبادلة الموارد الطبيعية
التي يحتاجها إقتصادها بتطوير البنى التحتية، ونجحت في الإستثمار في مجال
إنتاج النفط، أما واشنطن فإنتقلت من
مرحلة التعاون العسكري إلى مرحلة الحضور المباشر فقامت بتعزيز مبادرة الطاقة
لأفريقيا والمبادرات الخاصة بمحاربة الإرهاب في غرب أفريقيا كمبادرة محطة الشراكة
الإفريقية، إلا أن التحدي الذي يواجه النيجر منذ عقود هو شركة أريفا الفرنسية التي
تعمل على إستخراج اليورانيوم النيجري ولا تتحصل نيامي إلا على نزر يسير من موردها
الحيوي وهذا ما أعاق حركة التطور والتنمية في البلاد وجعل النيجر أكثر دول العالم فقراً وبؤساً ولقد
لمست ذلك في جميع المرافق والمؤسسات الحكومية من المطار إلى الجامعات مروراً بالوزارات
وإنتهاءاً بالمستشفيات التي يتكدس فيها المرضى في الطرقات بسبب نقص الأدوية وقلة
الأسرة، شيء لا يمكن أن يُصدق في المملكة الأولى لليورانيوم في العالم ولكني صدقته
بعد أن أدركت كيف ينظر الساسه للسياسة في أفريقيا وغادرت النيجر بعدها وأنا مُحملة
بأمانة النقل عما رأيته وسمعته أنستني تعب يداي المحملة بهدايا أهلها
د. أمينـــة العــريمي
باحثــــة إماراتيــة فـي الشــأن الأفريقـــي
@gulf_afro