الجمعة، 9 ديسمبر 2016



مــشاركـة علميـة فـي المؤتمـر الأفريقــي 
العـلاقات الخليجية الأفريقيـة كانـت محـور حديثـي أثناء المؤتمرمـع كوكبـة مـن الباحثـين والمُخـتصين فـي الشـؤون الأفـريقيـة مـن جمـهورية ساحـل العـاج وجـزر القـمر 


 أشكر جامعة أفريقيا العالمية على تكريمها لي في المؤتمر الأفريقي


الأربعاء، 7 ديسمبر 2016

مـا بــين أثيوبيـــا اليــوم وحبــشــة البارحـــة
الشعار الرسمي الأثيوبي 

 في ذاكرة كل منا مثلٌ أو حكمه يرى فيها نفسه ، تحكي للأخرين سره الذي عجز لسانه أن يبوحهُ إلا لنفسه، تروي تجربته بكل ما فيها من نجاحات وإخفاقات أدمت قدماه ولكنها بالقطع أسعدت قلبه ، حكمةٌ تأخذه بعيداً هناك ليتذوق المعنى الحقيقي للتجلي أمام النفس، حالةٌ يتجردُ فيها المرء من كل شيء لحق بنفسه من أمراضٌ إجتماعية غرست فيه ما تلفظه حتى الأرض البور، فإلى تلك النفس الشمس أمام نفسها، وإلى ذلك الشعور الذي يُقبر أمام الناس ويُنبش عنه بعيداً عن أعينهم، وإلى تلك الجوارح الصادقة الصامته الشاهدة على كل شىء زان أو قبُح، أقولُ الحمد لله على نعمة التجرد أمام الذات التي يُمارسها بني البشر كلاً بطريقته.
في هدوء الليل وسكونه يداعبني طيفي الماضي ويُذكرني بأيام قد خلت، صحيح أنها لن تعود ولكن ما كنت عليه حينها وأنا طفلة حملتهُ معي اليوم وأنا إمرأة ، فأذكر وأنا في مقاعد الدراسة الأولى أن بصري لا يتوقف إلا لرؤية أسراب الطيور المُهاجرة التي تمنيتُ أن أشاركها طيرانها وهجرتها الدائمة، أشتد عودي ونضجت وما زال بصري مُحدقاً لأسراب تلك الطيور وكأني أرتجي الرحيل معها، هذا بالفعل ما يخالجني وأنا أتحدث عن أثيوبيا المُهاجرة اليوم وحكمة حبشة البارحة.
يرجع إسم الحبشة إلى قبيلة "حبشت" العربية التي هاجرت من جنوب الجزيرة العربية إلى أفريقيا في القرن السادس قبل الميلاد ( بعض المصادر تشير إلى القرن السابع قبل الميلاد)، وفي القرن الرابع الميلادي أصبحت سيادة تلك المنطقة " الحبشة" بيد تلك القبيلة العربية ، وكانت تشمل أريتيريا والصومال والسودان،  إلا أن الأمور إختلفت في عهد الملك عيزانا "ملك مملكة أكسوم"، الذي  قام بتغيير الإسم من "الحبشة" إلى "أثيوبيا"، وتعني "الوجه المحروق"، وأرسى الدين المسيحي كدين رسمي للبلاد إلا أن إنتشار الإسلام ووصوله إلى الساحل الأفريقي كان السبب الأول لسقوط مملكة أكسوم.
عرف المسلمون الحبشة في العام الخامس للهجرة النبوية الشريفة عندما أمر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن يقصدوا تلك الأرض لحماية أنفسهم من بطش قريش، إلا أن إنتشار الإسلام في الحبشة والمناطق المجاورة لها تحقق في عهد الصحابي عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 26 للهجرة.
 شهد القرن الحادي عشر الميلادي تأزماً حقيقياً  بين السلطة الأثيوبية والمُسلمين، فالتوترات السياسية التي تشهدها أثيوبيا اليوم ليست بالأمر الجديد، ففي العصور القديمة وبالتحديد في عهد الملك الأثيوبي " يوحنس الرابع" تم إجبار المسلمين على ترك دينهم مما دفعهم إلى طلب المساعدة من مصر في أيام الخديوي إسماعيل باشا، ودارت مناوشات بين الطرفين الأثيوبي والمصري إنتهت بمعركة "كوندت" أو "كودا كوده"  1875 والتي إنتصرت فيها أثيوبيا على مصر، وبعد قيام الثورة المهدية في السودان إزداد خوف الإمبراطور "يوحنس الرابع" من مناصرة تلك الثورة لمسلمي أثيوبيا فقام بتوقيع معاهدة "هيويت" مع بريطانيا مما أدى إلى إندلاع معركة "القلابات" بين الحدود الأثيوبية السودانية، وإنتهت بقتل الإمبراطور يوحنس الرابع على يد أنصار الثورة المهدية في السودان بقيادة الأمير الزاكي طمل في مارس 1889.
بالرغم من إن أثيوبيا كدولة نجحت في الحفاظ على إستقلالها، بل ونجحت في التغلب على أحد جيوش الدول الأوروبية "إيطاليا" في فارقة لم تتكرر في أرض أفريقية بذلك الوقت، إلا أنها لم تسطع أن تحقق "المصالحة الوطنية" الكاملة على أرضها، فيعاني المسلمون الأثيوبيون من التهميش السياسي، والإعتقال، ومصادرة الأراضي، ويُتهم المسلمون السلطات الأثيوبية بإنتاج برامج إعلامية تستهدف الإسلام على الرغم من تأكيد الدستور الأثيوبي على عدم التدخل في الممارسات الدينية التي يمارسها المواطنون.
أرى بأن تأزم الأوضاع في أثيوبيا قد يدفع الحركات الأثيوبية المسلحة والتي تنادي بالإنفصال إلى تكوين تحالف مع حركة الشباب المجاهدين الصومالية أو جبهة شرق أفريقيا لإجهاد النظام الأثيوبي، ولا ننسى أن سبعه وتسعون من المُسلمون في أثيوبيا يقطنون في إقليم "صوماليا " القريب عرقياً إلى الصومال.
العلاقـــات الخليجـــية الأثيــوبيـــة
المملكــة العــربية السـعوديـــة :  بعد إنضمام المملكة العربية السعودية لمنظمة التجارة العالمية في 2005 تضاعفت الإستثمارات السعودية داخلياً وخارجياً، وأصبح الإقتصاد السعودي أكثر إندماجاً في الإقتصاد العالمي، وحصل على فرص عادلة لدخول السوق العالمي، وتعتبر أثيوبيا من أهم الدول التي تنصح الرياض مواطنيها بالإستثمار فيها لكونها سوق أفريقي واعد ويشهد نمواً مُتزايداً .
في مايو 2016، تم توقيع إتفاقية تجارية بين أثيوبيا والسعودية، إتفق فيها الطرفان على توسيع قاعدة التعاون، وفتح مجالات الإستثمار بين البلدين في المجالات التجارية والزراعية، وذلك تمهيداً لإعداد برنامج تدريبي في عدد من الأنشطة المُتنوعه، وجاءت تلك الإتفاقية داعمة لإتفاقية تجنب الإزدواج الضريبي الهادفة إلى حماية الإستثمارات  لكلا الطرفين، والتي تم توقيعها في 2014.
وقعت الرياض مع أديس ابابا على تشكيل لجان تم تحديدها مثل: لجنة التعاون الخارجي والأمني، لجنة التعاون العلمي والثقافي، واللجنة الإقتصادية، كما قدم الصندوق السعودي للتنمية تمويلات وقروضاً مُيسرة لدعم وإستنهاض التنمية في الأقاليم الأثيوبية النائية.
تشير وزارة التجارة الأثيوبية أنه منذ عام 2008 إلى 2015 حصل أكثر من 305 مستثمر سعودي على رخص إستثمارية أثيوبية في جميع المجالات،  عزز ذلك عدد الشركات السعودية المُسجلة والذي تجاوز 69 شركة سعودية، والتي وفرت فرص وظيفية للأثيوبيين، والعاملة برأس مال يتجاوز 369 مليون دولار، كما أن المشروعات الإستثمارية السعودية في أثيوبيا تجاوزت 303 مشروع، من بينها 187 مشروع سعودي خالص، ويعتبر مصدر للأمن الغذائي السعودي، أما الباقي فهو بالشراكة مع مستثمرين أجانب، وبلغت الإستثمارات السعودية في أثيوبيا (13) مليار دولار، ولكن نجد في المُقابل أن الإستثمارات الأثيوبية في المملكة تعتبر ضعيفه، حيث توجد شركتان أثيوبيتان في جنوب جده ويرجع ذلك إلى قلة الموارد المالية لدى المستثمريين الأثيوبيين.
لا شك أن المملكة العربية السعودية اليوم تعتبر من أكثر الدول المستفيدة من تصدير منتجاتها الإستثمارية لأثيوبيا، وهذا ما ساعد على تنفيذ الإتفاق السعودي الأثيوبي على تنظيم مهرجان تجاري للتعريف بمنتجات الدولتين، وبالرغم من أن تقرير "دليل الإستثمار في أثيوبيا" الصادر من الحكومة الأثيوبية يؤكد أن اللجنة السعودية الأثيوبية المُشتركة إتفقت على توقيع 16 اتفاقية ويتم بموجبها زراعة ( 1.713.357 هكتار)، خاصة أن الإستثمارات الزراعية السعودية تمثل 30% من مجموع الإستثمارات السعودية المتنوعة في أثيوبيا، إلا أن بعض المُستثمرين السعوديين باتوا يشتكون مؤخراً من عقبات تعترض إستثماراتهم في أثيوبيا لدرجة أن بعضهم طالب مؤخراً بضمانات تحفظ حقوقهم كمستثمريين.
معوقات الإستثمار السعودي في أثيوبيا
-.عدم ثقة المُستثمر الخليجي بإستقرار الأوضاع السياسية والأمنية في أفريقيا بشكل عام.
-.ضعف التسويق الحكومي الأثيوبي للفرص الإستثمارية المتواجدة في أرضه.
-.ضعف دراية المستثمر السعودي بالإجراءات وأنظمة الإستثمار في أثيوبيا، وذلك بسبب عدم مراجعتهم للسفارة السعودية في أديس أبابا، كما أن بعضهم يقومون بتدوين بيانات رخصة الإستثمار بشكل خاطىء مما يُعرقل التصدير بعد ذلك .
-.قيام الحكومة الأثيوبية بتغيير أنظمتها وقوانينها بشكل مفاجىء.
-.بعض المستثمريين السعوديين لا يتبعون اللوائح وأنظمة إدخال أموالهم لأثيوبيا مما يعرضها لخطر المُصادرة، خاصة أنه لا توجد جهة مُختصة للمستثمريين الأجانب في أثيوبيا يمكن لأي مستثمر اللجوء إليها تحت أي ظرف.
دولة الإمارات العربية المُتحدة: في عام 2015 إتفقت أديس ابابا وأبوظبي على تعزيز دور القطاع الخاص في دعم حركة التجارة والإستثمار بين البلدين، وتم توقيع إتفاقية منع الإزدواج الضريبي لحماية وتشجيع الإستثمار، كما تم الإتفاق على مجالات الصناعه وإنتاج الطاقة النظيفة، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 788 مليون دولار لعامي 2014 -2015، وبلغ حجم الإستثمارات الإماراتية في أثيوبيا 3 مليارات، وتعمل الحكومة الأثيوبية حالياً على إنشاء أربع مناطق صناعية متخصصة وهي ( ديرداوا، أواسا ، كومبولتشا، اديس ابابا)، وإستعانت اثيوبيا بخبرة دولة الامارات لتطوير تلك المناطق الصناعية.
 وفي أكتوبر 2016 وقعت غرفة تجارة وصناعة دبي نيابة عن مجموعة س.س لوتاه الدولية/S.S Lootha Trading إتفاقية مع بنك أوروميا الدولي بقيمة 184 مليون درهم، لدعم قطاع الزراعة والماشية ومنتجاتهما الصالحة للتصدير، ولأهمية سوق شرق أفريقيا ترى دولة الامارات أن أثيوبيا قاعدة ومنصة مثالية للتوسع في أفريقيا، وهذا ما يُفسر حرص غرفة وتجارة وصناعة دبي على إفتتاح أول مكاتبها التمثيلية في أفريقيا عام 2013، وتحتل أثيوبيا المرتبة 60 على لائحة الشركاء التجاريين لدبي، ووصلت قيمة التبادل التجاري غير النفطي إلى 2.2 مليار درهم في 2015.
توقيع إتفاقية تعاون فني بين دولة الامارات وجمهورية أثيوبيا ساهمت في نمو حركة التجارة البينية بين البلدين، كما حصلت شركة الجابر الإماراتية العاملة في مجال صناعة الألمنيوم والزجاج على إعتماد الشركة الأثيوبية لإنشاءات الطرق وهي مؤسسة أثيوبية شبة حكومية، ومن جانب أخر أكدت شركة (Saasur Solar Systems) العاملة في مجال الطاقة الشمسية أنها وجدت فُرص إستثمارية في أثيوبيا وذلك بعد إنشاء أديس أبابا مشاريع كبرى لإنتاج الطاقة الكهرومائية من خلال إقامة السدود، وعرضت الشركة على أثيوبيا إنتاج الكهرباء الرخيصة عبر إستخدام الطاقة الشمسية، على أن يكون التصميم الهندسي لمصانعها في دولة الإمارات ويتم بعد ذلك تركيبها في المناطق التي يتفق عليها الطرفان. 
أعلنت شركة الهلالي الإماراتية والمتُخصصة في إنتاج المنظفات المنزلية أنها ترغب في إقامة مصنع للشركة في أثيوبيا، على أن يتم إستيراد المواد الخام من الإمارات وتُصنع في إثيوبيا لتلبية إحتياجات السوق المحلي وأسواق الدول المجاورة في شرق إفريقيا
 قامت موسسة نور دبي بتنفيذ برنامج لمكافحة مرض التراخوما في إقليم "أمهرة " الأثيوبي الذي يعتبر أكثر مناطق العالم إصابة بهذا المرض، والذي سيستفيد منه أكثر من 18 مليون شخص،  و167 منطقة من ذلك الإقليم، ومن جانب أخر إنضمت دبي للعطاء لمجموعة من الشركاء لتنفيذ برنامج شامل لمكافحة الديدان المعوية في مدارس أثيوبيا، وهذا البرنامج هو جزء من خطة أكبر تمتد لمدة خمس سنوات لمُعالجة أكثر من 75% من الأطفال في سن الدراسة المدرسية المُعرضين للخطر في جميع المناطق التسع في إثيوبيا بحلول عام 2020.
دولـــة قطــــر:  في عام 2008، تدهورت العلاقات القطرية الأثيوبية ووصلت إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية بسبب إتهام أديس أبابا للدوحة بأنها مصدر أساسي لزعزعة الأمن في القرن الإفريقي بدعمها لإريتيريا، وذلك عندما سعت الدوحة في 2008 لحل الخلاف الحدودي بين جيبوتي وإرتيريا على منطقة "رأس دميرة "، ومما سهل مهمة الدوحة هو وجود قوات عسكرية قطرية على حدود الدولتين تم نشرها في إطار الوساطة لحل النزاع،  ونجحت قطر في التوصل الى إتفاقية سلام بين الطرفين تم توقيعها في الدوحة عام 2010، كما نجحت الدوحة في إقناع أسمره للإفراج عن أربعة أسرى من جييوتي كانوا مُعتقلين في أرتييريا من ثماني سنوات.
إستردت العلاقات القطرية الأثيوبية عافيتها وبدأت الإستثمارات القطرية تتضاعف في أثيوبيا، فالدوحة تسعي اليوم لتوسيع إستثماراتها في القارة الافريقية، يساعدها في ذلك صندوقها السيادي الذي يتجاوز200 مليار دولار، وفي فبراير 2016، إجتمعت اللجنة الفنية القطرية الأثيوبية المُشتركة في أديس أبابا لتنفيذ الإتفاقيات المُوقعه بين البلدين، وسُبل تعزيز العلاقات الثنائية بينهما، وأكدت الدوحة على دعمها الكامل لأثيوبيا في الأمم المتحدة للحصول على مقعد غير دائم بمجلس الأمن  الدولي في يناير 2017.
 في يوليو 2016 تدخلت الدوحة دبلوماسياً لحل الأزمة الأرتيرية الأثيوبية والتي إتهمت فيها أديس أبابا أسمره بدعم المُعارضة الأثيوبية.
نفذت مؤسسة الشيخ ثاني بن عبدالله للخدمات الإنسانية "راف" عدة مشاريع تنموية لصالح الأُسر الفقيرة والمُحتاجة من مسلمي أثيوبيا، وقد نفذت "راف" هذه المشاريع في منطقة دريدوا بإقليم أوروميا ذي الغالبية المسلمة، ومن جانب أخر قامت منظمة الدعوة الاسلامية التابعه للحكومة القطرية بإستصلاح أراضي زراعية في أثيوبيا (500) هكتار في منطقة بيرعانو بدولة إثيوبيا، لتمليكها لذوي الدخل المحدود من المواطننين الأثيوبيين، وهذه المشاريع إنتاحية ستحولهم من مُتلقين للإعانات إلى مُنتجين وفاعلين في المُجتمع، فالمُنظمة تخطط لتنفيذ المزيد من المشاريع الإنتاجية التي تُمكن من إحداث تغير إيجابي في المجتمع الأثيوبي بإتجاه التنمية الشاملة.
سلطــــنة عُمــــان: شهدت العاصمة الأثيوبية أديس أبابا في أبريل 2016 معرض أوبكس للمُنتجات العُمانية بمشاركة أكثر من 100 شركة عمانية، تُمثل قِطاعات مُختلفة، إلى جانب مُشاركة عدد من المُؤسسات الحكومية، فمسقط  تجد في شرق أفريقيا مجالاً لتوزيع مُنتجاتها، مؤكدة على أهمية السوق الأثيوبي للمُنتجات العُمانية، خاصة أن السوق الأثيوبي من أكثر الأسواق نمواً على مستوى القارة الأفريقية، مما قد يفتح المجال أمام الشركات العُمانية للدخول لأسواق جديدة عبر البوابة الأثيوبية.
تعززت العلاقات الأثيوبية العُمانية وتم توقيع ثلاث إتفاقيات تكون بموجبها أثيوبيا نقطة عبور لتسويق المُنتجات العُمانية إلى الدول الأفريقية، وبلغت قيمة التجارة غير المُباشرة بين مسقط وأديس أبابا ما يتجاوز الــــ (80) مليون دولار، وفي أكتوبر 2016، أكدت شبكة (C.N.N) أن "عمانتل" وهو المُشغل الوطني العُماني للإتصالات وافق على بناء كابل تحت سطح البحر يربط صلالة في سلطنة عُمان  ببربرة في أرض الصومال ( صومالاند) وبيصاصو في ( بونتلاند) وسيشمل أثيوبيا، خاصة أن نظام G2A الذي سيربط الخليج بأفريقيا سيتم تطويره بالشراكة مع الإتصالات الأثيوبية، وإتصالات جوليس، وشركة تيليسوم.
دولــة الكــــويت : دشنت دولة الكويت مُؤخراً ومن خلال صندوق الكويت للتنمية  ثلاثة مشاريع رئيسية في أثيوبيا بقيمة 203.000.000 مليون دولار، وستنتهي في 2018، مثل: مشروع تأهيل الطريق التكلفة Nekemte- بتكلفة 64 مليون دولار أمريكي، ومشروع طريق وهوديسي Kutaber Tenta بقيمة 84 مليون دولار أمريكي، ومشروع أكسوم لإمدادات المياه بقيمة 55 مليون دولار أمريكي.
سد النهضة بين الإطمئنان السوداني والقلق المصري
تتنافر مصالح القوى الإقليمية والدولية في الأرض الأثيوبية وهذا برأيي ما يُعقد ملف سد النهضة، فرغم أن أديس أبابا  تواجه حراكاً شعبياً فرض عليها إعلان حالة الطوارىء في البلاد لمدة ستة أشهر، إلا إنها تبدو مُطمئنة، وكأنها على يقين بأن المُعارضة الأثيوبية لن تنجح فيما تصبو إليه، فالقوى الدولية ستغضُ الطرف عما يتعرض له المسلمون " الأورومو"  في أثيوبيا، خاصة أن القوى الدولية ترى أن سبب تنامى التنظيمات الإرهابية في شرق أفريقيا هو الإسلام، أضف إلى ذلك أن ما ضاعف إطمئنان أثيوبيا التي كانت تنظر بحذر إلى الخرطوم التي قد تدعم الجبهات الإسلامية الأثيوبية الثائرة هو إعادة فتح  قضية حلايب والشلاتين  والتي جاءت داعمة للتقارب الأثيوبي السوداني.
 تبدو الخرطوم أكثر إطمئناناً من القاهرة من مشروع سد النهضة الأثيوبي، بدليل أن الخرطوم سمحت لأديس أبابا التي تفتقر للموانىء البحرية أن تنشىء لها ميناء خاص على أرض سودانية بإيجار مدفوع الثمن لمدة خمسون عاماً، تزاول أثيوبيا من خلاله أنشطتها التصديرية والإستيرادية، وقد تستخدمه أثيوبيا مُستقبلاً لأغراض عسكرية، ومن الجدير بالذكر أن الخرطوم سمحت لأديس أبابا من قبل بإستخدام ميناء بورتسودان لإستيراد وتصدير البضائع، ويبدو أن أثيوبيا نجحت في إقناع السودان بأهمية سد النهضة، فكهرباء سد النهضة ستسهم في سد إحتياجات السودان وجيرانها من الطاقة، أما حجز سد النهضة لكميات كبيرة من الطمي ممكن أن يُطيل عمر السدود السوادنية، كما أن المياه التي سيتم تخزينها في بُحيرة السد وبكميات ضخمه يمكن للخرطوم الإستفادة منها في زراعه مساحات كبيرة، أضف الى ذلك أن أديس أبابا لا تريد أن تخسر مورد إقتصادي يتمثل في التحويلات المالية للعمالة الأثيوبية في السودان.
ترى أديس أبابا أن هناك قوى خارجية تقوم بدعم الحراك الشعبي الأثيوبي، وتأليب المُعارضة الأثيوبية ضد النظام، مما قد يؤثر سلباً على المشروع الأول لإنتاج الكهرباء في أفريقيا (سد النهضة)، الذي تراه أثيوبيا نقلة تنموية سيغير وجه أفريقيا وسيعزز مكانتها في العالم وهذا ما تنشدة أديس أبابا، في حين تراه القاهرة تهديداً لأمنها القومي، ومن الجدير بالذكر أن  محاولات بناء سد على مجرى نهر النيل الأزرق لم تتوقف من الجانب الأثيوبي منذ عهود مضت، فعلى سبيل المثال تم بناء سد (تيس أباي) في عهد الإمبراطور الأثيوبي (مريام هيلاسيلاسي)، إلا أن إحتجاج القاهره على بنائه دفع الإمبراطور إلى تقليل إرتفاع السد من 112 متراً إلى 11 متراً، وفي عام 1973 تم بناء "سد فينشا" 1973 وبإرتفاع 25 متراً، وفي عام 1995 تم بناء سد "أويرو"، وفي 2001 تم  توسيع سد "تيس أباي"، كما تم بناء سد "تيس أباي 2"، واليوم تمتلك أثيوبيا (19) سداً مائياً لتوليد الكهرباء خمسة منها على مجرى النيل مباشرة، أما سد النهضة فهو السد الأهم بالنسبة لأديس أبابا التي تهدف من خلاله أن تكون أحد أكبر منتجي الكهرباء في قارة المستقبل، في الوقت الذي ترى فيه القاهره بأن ذلك السد هو إستهداف لأمنها القومي، ويبدو أن مأزق القاهره اليوم بات يتمثل في إنحسار الدور المصري في أفريقيا، ومن الجدير بالذكر أن النخبة المصرية غالباً ما تتحدث عن "محدودية" الدور المصري في أفريقيا، فالإستثمارات المصرية محدودة إلى حد ما، كما أن تحول أفريقيا لساحة تنافس بين القوى الإقليمية ضاعف من تحجيم الدور المصري، فعلى سبيل المثال وقعت تركيا وأثيوبيا إتفاقية تعاون عسكري صادق عليها البرلمان الاثيوبي، وإتفق الطرفان على إقامة منطقة تجارة حره بعد أن تدفقت الإستثمارات التركية على أديس ابابا، وتوجد 352 شركة إستثمارية تركية في أثيوبيا ، كما نجحت أديس أبابا بالتعاون مع الصين في تدشين خط سكة حديد يربطها بميناء جيبوتي، والذي سيبدأ نقل الركاب وفي رحلات يومية في يناير 2017 ، وتعتزم أديس أبابا بناء شبكة سكة حديدية طولها 5000 كيلو متر لتربطها بكينيا والسودان وجنوب السودان وسينتهي العمل بها عام 2020، ومن الجدير بالذكر أن أثيوبيا لديها قوات بحرية مُسلحة في جيبوتي، تخضع لتدريبات بشكل دوري ويتم تحديث سلاحها، وهذا يعني أن أثيوبيا لها إستراتيجية بعيدة المدى تعمل على تنفيذها نستخلصها في حكمة الملك الأثيوبي " عيزانا"  عندما نجح في تدمير مملكة مروي قال : " أنا عيزانا سليل هالين صاحب أكسوم، وحِمير، وصاحب ربدان،وسبأ، وسلحين، وصيامو، والبجة، ملك الملوك حاكم كاسو"، ومن هذا الحديث يمكن أن نسستشف أن أثيوبيا لديها نزعه تاريخية تتطلع لتحقيقها.
 أما إسرائيل، الحليف الأقوى لأثيوبيا تنظرلأثيوبيا بنظرة خاصة تختلف عن قريناتها الأفريقيات، فهناك مبدأ ديني يؤمن بها الشعبان الأثيوبي والإسرائيلي، وهو أن الملكة بلقيس (ملكة سبأ) التي كانت تحكم اليمن والحبشة عندما ذهبت إلى القدس وتزوجت بسيدنا سليمان عليه السلام أنجبت طفلاً الذي أصبح بعد ذلك الجد الأول الذي جاءت منه سلالة ملوك الحبشة، وهذا ما يفسر عمق العلاقات الإسرائيلية الأثيوبية ودعم تل أبيب للمشاريع التنموية في أثيوبيا، ودعم أديس أبابا لتل أبيب وأنشطتها في جميع المنظمات الأفريقية، وتبدو أثيوبيا في تلك العلاقة مع إسرائيل كأسراب الطيور المفطورة على الهجرة لمكان محدد كل عام .
يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية أن تدعم دول القرن الأفريقي وحقها في التنمية التي تنشدها بحيث أن لا يؤثر في المقابل على الأمن المائي المصري، وبالرغم من تضاعف الأصوات التي تدفع الأمور لمزيد من السلبية بين القاهره وبعض دول الخليج العربي بسبب قرار القاهره الأخير في مجلس الأمن والذي جاء مُسانداً للقرار الروسي، وإثارة الشائعات المُغرضة بالقول ببدء تكوين تحالف روسي إيراني مصري،  إلا إني أرى بأن على الطرفين الخليجي والمصري إيجاد طريقه أكثر إيجابية لوقف تدهور العلاقات الخليجية المصرية والذي ليس في صالح كلا الطرفين وذلك لقطع الطريق على أي مشروع تحالفي تسعى إليه بعض القوى الإقليمية المُعادية لأمن المنطقة العربية.
*عيزانا": هو أول ملوك العهد المسيحي في مملكة أكسوم
تم نشر الدراسة في مركز مقديشو للبحوث والدراسات على الرابط التالي
تم نشر الدراسة في مركز مجمع الافارقة (افريكاعربي) على الرابط التالي
أمـــينة العــــــــريمـــي
باحثــــة إمـــاراتيـــة فــي الشـــأن الأفــــريقــــي
Twitter:@gulf_afro


الأحد، 2 أكتوبر 2016

الباحثة الإماراتية في الشأن الأفريقي / أمينة العريمي، تتوسط البروفيسوربكاراي سامباي (رئيس مركز الدراسات الافريقية ومعهد تمبكتو لشؤؤن للسلام) في العاصمة السنغالية داكار، ومندوبة الإتحاد الأفريقي لشوؤن السلام ( الأولى من اليمين)، ومجموعة من الباحثين في الشؤؤن الأفريقية، وحديث حول العلاقات الخليجية السنغالية بشكل خاص، والعلاقات الخليجية الأفريقية بشكل عام.
العــلاقــات الخليجـية السنـغاليـة ( رؤيـة مُستقـبلية )
من حُسن طالعي أن أغلب ما أواجهه في حياتي هو النقد، وغالباً ما يكون في نقطتين بدأتُ مؤخراً الرد بشأنهما بعد عقدٌ من التجاهل.
النقطة الأولي، هي إنني شخصية إرتجالية، ذات حديث إرتجالي يمتلك رغبة حقيقية بمُسابقة الزمن، وإن لزم الأمر لتجاوزه، حتى يصل لأذن مقصده، وإن كلف الأمر عقوبةً أعلمُ مُسبقاً أنها تنتظرني كما تعلم هي إنني سأصرعُها، أما النقطة الثانية، فهي عدم إستخدامي للورق المُعد سابقاً بأسئلة مُحدده لا يمكن الحياد عنها، لمقابلة شخصية ما، في ظروف ما، في بلد  ما، وهذا ما إعتبرهُ مُنتقدي أحد أسباب الفوضى الفكرية التي أحياها "من وجهة نظرهم"، ودائماً ما يكون ردي لنفسي قبل مُنتقدي أن الإرتجال في نظري هو حضور ذهني، وتمكنٌ ثقافي، وإنجازٌ عفوي مُباشر لفكرةٌ قرعت أبواب العقل فهللت بها الجوارح.
نعم، أمنتُ بنفسي، فغادرني القلق، وجافاني الحزن، وأنكرني الخذلان، وتوجني الإجتهاد، وعشقني النجاح، وأصطحبني التألق، فقط عندما أمنتُ بنفسي.
قد تبدو تلك المُقدمة مناسبةٌ لحديثي اليوم عن دولة أمنت بنفسها، وراهنت على أبناؤها، ورسخت قيماً لجبهتها الداخلية، وعولت على سياستها الخارجية، فأصبحت نموذجاً ناجحاً في أفريقيا، تلك القارة التي تُرك لها ماضيها عمداً حتى لا تنساه، وسُلب منها مستقبلها عنوةً حتى لا تحياه.
السنغال، أو" السونو غال"، تعددت الروايات في معناها، فهناك من يقول أنها تعني "قاربنا" باللغة الولوفية (اللغة الأشهر إستخداماً في السنغال)، وهناك رأي يقول أن إسم "السنغال" هو  "زنكال"، وهو إسم لقبيلة صنهاجة القادمة من الشمال في القرن الحادي عشر الميلادي، والتي لها الفضل في نشر الإسلام في غرب أفريقيا.
دولياً، تُصنف السنغال من الدول التي إستطاعت أن تفرض نفسها كنموذج مثالي أثبت نجاحه   على كافة الأصعدة سياسياً، إقتصادياً، إجتماعياً، فسياسياً، السنغال دولة لم يُعرف في تاريخها أن شهدت إنقلابات عسكرية منذ ما يزيد عن ستة عقود، أما إقتصادياً فالسنغال اليوم هي مركز نقدي، وتجاري، وإستثماري للعديد من الدول، هذا بالإضافة إلى إختيارها كمقر لكثير من المؤسسات المالية والنقدية بسبب إستقرارها السياسي، أما إجتماعياً، فرغم الإختلافات العرقية والدينية في السنغال إلا أنها لم تشهد صراعاً طائفياً كقريناتها الأفريقيات.
تاريخياً، يرتبط تاريخ السنغال بثلاثة من أهم الممالك الأفريقية القديمة وهي إمبراطورية غانا" و"مملكة مالي"، و"إمبراطورية سونغاي ".
·       إمبراطورية غانا: برزت تلك الإمبراطورية كقوة في القرن السابع ميلادي، وكان تمتد ما بين جنوب شرق موريتانيا والصحراء الكبرى، وتشير بعض المصادر التاريخية أن الهدف الأول من بناء تلك الإمبراطورية هو المُتاجرة بالذهب الذي كان ينتج بكثرة في تلك المنطقة.
إتخذت إمبراطورية غانا من مدينة " كمبي صالح" التي يعود تاريخها إلى القرن الثالث الميلادي عاصمة لها، وكانت تلك العاصمة مُقسمة لمركزين وهما: الحي الجنوبي ويسمى "كمبي"، وهو خاص للمسيحين، والحي الشمالي ويسمى"صالح"، وهو حي تكثر فيه المساجد ودور العبادة وهو خاص للمسلمين.
إنهارت تلك الإمبراطورية في القرن الثالث عشر الميلادي وتعددت الأسباب في ذلك، فهناك مصادر تقول أنها أنهارت بسبب العوامل البيئية، وهناك مصادر تؤكد أنها إنهارت بعد دخول جيوش المرابطين لها وإحلال أنفسهم محل سكان الإمبراطورية الأصليين، وإتلافهم للعديد من الوثائق التاريخية .
ما زالت مدينة "كمبي صالح" أو "الصحبي" كما يناديها أهلها اليوم شامخة في الأراضي الموريتانية، إلا أنها تعاني من إهمال في جميع القطاعات ويشكو أهلها من إنعدام شبكة لمياه الشرب.
·       إمبراطورية مالي: كانت هذه الإمبراطورية أكبرمن إمبراطورية "غانا"، وإمتدت من المحيط الأطلسي غرباً إلى نهر النيجر شرقاً، ومن حقول الذهب في غينيا بالجنوب، إلى محطّ القوافل التجارية عبر الصحراء بالشمال، وكان يحكم تلك الإمبراطورية "جاجي كانجا مانسا موسى"، وفي عهده تحولت تلك المنطقة إلى مركزاً للعلم في أفريقيا، وأصبحت مدينة " تمبكتو" مركزاً لتجارة الذهب ونشر الإسلام، خاصة أن "مانسا موسى" عُرف عنه رجاحة العقل، والحكمة، والإدارة السياسية الرشيدة، ومن الجدير بالذكر أن الأمبرطور"مانسا" في عام 1324 أدخل العالم ولمدة عشرين سنه في أزمة تضخم كامل، بسبب رحلته إلى مكه المكرمة للحج حيث كان يوزع الذهب الخالص على كل من يُصادفه في تلك الرحلة.
بعد وفاة الإمبراطور "مانسا موسى" 1337، تأسس ما يعرف بــ" المانسري"، وهم مجموعة يشكلون الجيل الثامن من سلالة "مانسا موسى"، ويتواجدون اليوم في غينيا والسيراليون، ومن أشهرهم اليوم هو لاعب كرة القدم المُحترف "تشيرنو مانساري" الذي صٌنف بأفضل لاعب إحتراف في تاريخ نادي الإتحاد السكندري في جمهورية مصر العربية.
·       مملكة السونغاي: تأسست تلك المملكة  على يد عرقية " السونغي" في منطقة غرب أفريقيا، وإمتد حكمها من منتصف القرن الرابع عشر إلى أواخر القرن الخامس العشر الميلادي، وبسبب إزدهار التجارة فيها وتحولها لمركز مهم تعرضت لغزو من إمبراطورية مالي التي ضمتها إليها حتى أوخر القرن الرابع عشر الميلادي، وما أن بدأ الوهن يدب في جسد إمبراطورية مالي حتى إنتهزت مملكة "سونغاي" الفرصة للعودة إلى سابق عهدها والتحرر من هيمنة إمبراطورية مالي على يد الملك " سني علي" الذي كان أول ملك لإمبراطورية السونغاي، والذي قام بضم مناطق كثيرة من إمبراطوية مالي، وبعد وفاته جاء "أسكيا محمد" وأزهرت الإمبراطورية في عهده وإتسعت حتى وصلت إلى إمارات الهوسا في الشرق، ورحل إليها علماء الدين وإمتد النفوذ الإسلامي إلى بحيرة تشاد ووصلت حدود تلك الإمبراطورية من حوض النيجر حتى عمق الصحراء الجزائرية.
إنهارت إمبراطورية "سونغاي" وإنقسمت إلى عدة دول بعد معركة "تونبيدي" التي قادها السلطان المغربي "السعدي أحمد المنصور الذهبي" عام 1591، والتي كانت بداية للحرب المغربية السونغية من عام 1591إلى 1630م.
ومن الجدير بالذكر أنه قبل تلك الممالك ظهرت في السنغال دول وإمارات أهمها: دولة "تكرور"، و"دولة "دينياكي"، التي أسستها عرقية "البولار" في شمال شرق البلاد، وإمبراطورية "الولوف" في مناطق "والو" و" كايور" و"باول" وذلك في القرن الرابع عشر.
عرفت أرض السنغال بعد ذلك تنافُساً إستعمارياً بين عدد من القوى الإستعمارية، "هولندا، فرنسا، بريطانيا" بسبب تجارة الرقيق، والتي كانت تنطلق من مدينة "سانت لويس" المركز الرئيسي لتلك التجارة، إلا أن ذلك التنافس سُرعان ما إنتهي بنهاية الحرب التي ألت لصالح باريس التي أحكمت قبضتها على السنغال، وأصبحت مدينة "سانت لويس" عاصمة لها.
إتحدت السنغال ومالي بعد ذلك فيما سمي بــ" فيدرالية مالي"، تلك الفيدرالية التي لم تستمر طويلاً وسرعان ما إنتهت، ومن الجدير بالذكر أنه خلال رحلتي لدول غرب أفريقيا إلتقيت ببعض الباحثين والمؤرخين لتلك الفترة الذين أكدوا لي بأن "جمهورية مالي" كانت تسمى بـــ "الجمهورية السودانية"، ولكن بعد إنفصالها عن السنغال تسمت بإسم "جمهورية مالي"، وإستقلت السنغال بعد ذلك عن فرنسا 1960 وأصبحت مدينة "داكار " عاصمة لها.
العــلاقـات الخليجـية السنـغاليـة ( فُـرص ثمـــينــة)
-.المملكة العربية السعودية، قدمت الرياض قروضاً ميُسرة لداكار خلال الأعوام 2010-2012، كما أن القطاع الخاص السعودي قام بتجديد قرض إستثماري جديد للسنغال تمثل في مُساهمة شركة "المملكة" في تملك 12% من شركة الإتصالات "سوناتل" السنغالية، وشراء فندق ميريديان داكار، وفي عام 2014، دعت المنظمة الفرانكفونية الرياض لحضور إجتماع المنظمة في داكار، وترأس الوفد السعودي سمو الأمير الوليد بن طلال لكونه أحد أهم المُساهمين في مجال الإستثمارات والعقارات، وأكبر المانحين والداعمين لقطاع الصحة والتعليم في أفريقيا.
ساهمت الرياض في دعم مؤسسات ومراكز التعليم الإسلامي، وفتح مراكز خاصة لتعليم اللغة العربية في بلد نسبة المسلمين فيه 95%، كما دعمت المملكة برنامج " أوكسفام" في السنغال لتحسين فرص دخول العمل .
في فبراير 2016، وافقت الرياض على تمويل السنغال بتنفيذ مشروعها الإستراتيجي في قطاع البنية التحتية، وهو عبارة عن سكك حديدية للقطارات السريعه يربط بين العاصمة داكار ومطار بليز ديان الدولي الجديد، كما ساعدت المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص (عضو مجموعة البنك الإسلامي للتنمية في جدة) جمهورية السنغال في إصدار صكوك سيادية في السوق الإقليمي للإتحاد الإقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا، خاصة أن الصكوك السنغالية تعتبر أول صكوك سيادية صادرة من قارة أفريقيا، وهذا ما مهد الطريق لدول غرب ووسط أفريقيا من إعتبار الصكوك أداة بديلة للتمويل، وتطمح "نيجيريا" اليوم أن تصبح مركز أفريقيا للتمويل الإسلامي.
تهدف المملكة العربية السعودية على دعم إنتشار الصيرفة الإسلامية في أفريقيا، والتي لاقت نجاحاً كبيراً في العديد من العواصم الأفريقية "داكار"،"نيامي"، و"أبيدجان" التي نجحت مُؤخراً في إصدار أكبر عملية للصكوك السيادية في غرب أفريقيا بقيمة (244) مليون دولار.
وافق البنك الإسلامي للتنمية بتاريخ 29-9-2016 على تمويل مشروعين لصالح السنغال بقيمة 356 مليون دولار، ويهدف البنك الإسلامي للتنمية إلى زيادة أنشطته في إفريقيا لتعزيز جاذبية التمويل الإسلامي في تلك المنطقة التي يقطنها أكثر من 70% من المُسلمين، كما يهدف على تشجيع الصادرات، ودعم المشروعات التنموية، وخلق فرص عمل.
-.دولـة الـكـويـت، بدأت العلاقات الكويتية السنغالية في بداية عقد الستينات من القرن الماضي، فبعد أن نالت السنغال إستقلالها من فرنسا 1960، كانت أول سفارة للسنغال في دولة الكويت عام1961، وأفتتحت دولة الكويت سفارتها في داكارعام 1971، وأبرمت الكويت مع السنغال أول إتفاقية مشتركة بتاريخ 7-3-1972، وهي إتفاقية هدفها دعم التجارة بين البلدين، وتعززت العلاقات الكويتية السنغالية بعد ذلك بوقوف داكار مع الشرعية الكويتيةعام 1990، ومشاركتها في عملية تحرير الكويت1991 والتي خسرت فيها السنغال (92) من جنودها هناك.
في عام 2009 إتفق البلدان على توقيع إتفاقية "عدم الإزدواج الضريبي" وهي إتفاقية تقوم بحماية كافة الإستثمارات لكلا الطرفان، كما ساهمت الجمعيات الخيرية الكويتية وعلى رأسها جمعية "عبدالله النوري" وذلك بالتنسق مع الخارجية الكويتية، على تأسيس المُجمع التعليمي الكويتي الثاني في عام 2014، والذي ستستفيد منه أكثر من )20( قرية سنغالية، كما أسست دولة الكويت في عام 2004 "مُجمع جابر الأحمد"، وهو مُجمع لتعليم الدراسات العربية والإسلامية، ومن الجدير بالذكر أن هناك (29) إتفاقية تجارية وإستثمارية بين الكويت والسنغال تتجاوز قيمتها (600) مليون دولار.
أبرمت وزارتي الدفاع الكويتية والسنغالية مؤخراً إتفاقية عسكرية لإبتعاث ضباط وجنود سنغاليون إلى كلية القيادة والأركان الكويتية للدراسة.
 إلا أن صفو العلاقات الكويتية السنغالية تكدر في يناير 2016، بعد إتهام السفير الكويتي في السنغال " محمد فاضل خلف" بممارسة أنشطة تساهم في نشر التشيع في السنغال، إلا أن رد الخارجية الكويتية كان حاسماً في بيانها الذي قالت فيه "لن نقبل أو نسمح بأي شكل من الأشكال بأن ينحرف أداء دبلوماسيينا عن الواجب المُناط بهم، مؤكدين أن أي دبلوماسي تثبت الأدلة والتحقيقات بأنه إرتكب خطأ أو إنحرف بعمله عن مساره فإنّ الوزارة ستُباشرعلى الفور إتخاذ الإجراءات الإدارية والقانونية اللازمة وفق اللوائح والأنظمة والقوانين". 
 في إبريل 2016 أبدت حكومة الكويت موافقتها على إسقاط الديون السنغالية، فدولة الكويت بلاشك تُدرك الوزن التصويتي للدول الأفريقية في مجلس الأمن خاصة أنها تنوي الترشح لعضوية مجلس الأمن غير الدائم في عام 2018/2019.
ممـلكـة البحـريـن: وقعت مملكة البحرين مع جمهورية السنغال إتفاقية تدريب خبراء إقتصاد سنغاليون في (معهد البحرين للدراسات المصرفية والمالية/Bahrain Institute of Banking & Finance)، خاصة أن هذا المعهد يقوم بدور حيوي في تدريب وتطوير الثروة البشرية في مجالات الخدمات المصرفية، والمالية الإسلامية، والتنمية التنفيذية، والقيادة الإدارية، والتأمين، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتؤدي البحرين دوراً حيوياً في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا في هذا المجال.
في مارس 2016، أقيم في داكار "أعمال المنتدى الأول للأعمال الحلال في أفريقيا"، تحت شعار"نحو دينامية المبادلات التجارية مع دول الخليج العربي وأسيا"، وترأس الوفد الخليجي رئيس الإتحاد العام للغرف التجارية لدول مجلس التعاون الخليجي البحريني السيد "عبد الرحيم نقي".
-.دولة الإمـارات العـربية المتحـدة، وقعت شركة موانىء دبي العالمية والحكومة السنغالية مذكرة تفاهم لإنشاء منطقة لوجستية حرة بالقرب من مطار وميناء السنغال الجديدين، كما ساهمت دولة الإمارات بمبلغ (53) مليون درهم، لتطوير البنية التحتية، والتعليم، والصحة، والخدمات الإجتماعية في السنغال،وقدم صندوق أبوظبي للتنمية قروضاً ميُسرة بلغت (193) مليون درهم، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين (451) مليون دولار.
أبرمت شركة ديار الإمارانية للتطوير العقاري عن توقيع إتفاقية مع مؤسسة "دبي للعطاء" لتأسيس مدرسه في منطقة (فاتيك) النائية في السنعال، لإتاحة الفُرصة للأطفال لمواصلة تعليمهم، وسيستفيد من هذا المشروع 150 طفلاً، و60 بالغاً، وذلك ضمن برامج تعليمية خاصة للبالغين، وهذا هو المشروع الثاني في السنغال لذات الشركة.
 -.دولــة قـــطـــر، أبرمت دولة قطر في عام 1998 مع جمهورية السنغال إتفاقية سميت بــ"بالإتفاقية الإقتصادية المشتركة"، والتي إتفق فيها الطرفان على التبادل التجاري والاقتصادي، ووقع الطرفان مؤخراً على مذكرة تفاهم لتنظيم جلب العمالة السنغالية إلى الدوحة بعد إلغاء عقود العمالة الموريتانية، نظراً لما تشهده دولة قطر من تطور وتنمية على جميع الأصعدة، وإستضافتها لمونديال 2020.
وعلى صعيد أخر تدخلت دولة قطر للإفراج عن إبن الرئيس السنغالي السابق"كريم عبدالله واد"، الذي كان قد حُكم عليه القضاء السنغالي في عام 2015 بالسجن ست سنوات، وغرامة 209 مليون يورو، وذلك بتهمة الثراء غير المشروع.
-.سلطنة عُــمان، تقدم مسقط مبلغ " مليون دولار" لمناطق غرب أفريقيا، كمساعدات عينية وإغاثية ضمن برنامج المساعدات العالمي.
الــعلاقــات السـنـغاليـة الخليــجيـة ( رؤيــة مُستـقـبليـة)
أرى أن العلاقات الخليجية السنغالية تشهد تقدماً ملحوظاً في مجال الإقتصاد والإستثمار ولكنه ليس مساوياً بما فيه الكفاية في المجال السياسي، فدول مجلس التعاون الخليجي أمامها فُرصة ثمينة في السنغال قد لا تتكرر في أي دولة من دول أفريقيا جنوب الصحراء، ولضمان تقدم تلك العلاقات على المستويين الإقتصادي والسياسي يمكن عمل الأتي :-
·       يمكن لدول الخليج العربي البدء بتكوين تكتل إقتصادي يضم (دول الخليج الست، والسنغال، والمغرب، ونيجيريا)، مع قابلية ذلك التكتل لقبول من يريد الإنضمام إليه، وقد يكون لهذا التكتل نتائج إيجابية ليس فقط على دول الخليج العربي، بل على الدول الأفريقية الأعضاء في ذلك التكتل، فمثلاً قد  تتقارب وجهات النظر المغربية النيجيرية بشأن ملف الصحراء الغربية الذي يُقوض الأمن الوطني المغربي، وإقناع "أبوجا" بسحب الإعتراف بالجمهورية العربية الصحراوية، لكون نيجيريا إحدى أهم القوى الأفريقية المؤهلة لقيادة أفريقيا، ومن ناحية أخرى يمكن لدول الخليج العربي تحجيم النفوذ الشيعي في منطقة غرب افريقيا الذي بات يُهدد المُجتمعات الأفريقية ناهيك عن المُجتمعات الخليجية والعربية، خاصة أن جميع الدول المُرشحة للإنضمام لذلك التكتل (الخليجي الأفريقي) تشترك في رؤية أن خطر "النفوذ الشيعي"على المُجتمعات قد يُهدد أمنها القومي، ويُعزز الطائفية في المجتمعات الأفريقية التي تتبع الطرق الصوفية والسنية مثل المجتمعات الخليجية والعربية.
·       بما أن المملكة العربية السعودية نجحت في دعم التمويل الإسلامي، وإصدار الصكوك الإسلامية في السنغال وساحل العاج، والنيجير، ونيجيريا، فتلك فُرصة حقيقية لإرساء قيم إقتصادية قوية لذلك التكتل الخليجي الأفريقي، الذي يُمكن أن يُنعش الإقتصاد الأفريقي من ناحية، ويُحافظ على الأموال الخليجية بعيداً عن أي إبتزاز سياسي / إقتصادي مُستقبلي من ناحية أخرى.
المعـــــوقات
ما يعترض ذلك المشروع من وجهة نظري مجموعة عوائق قد تحدد سير ذلك المشروع المستقبلي:-
·       إختلاف الرؤى السياسية والإقتصادية بين بعض دول الخليج العربي.
·       قد ترى باريس أن ذلك التكتل مُهدداً للمصالح الفرنسية في غرب أفريقيا، وتجاوزاً على مصالحها في أفريقيا، مما سيفضي إلى تبني إستراتيجية فرنسية تقض مضجع ذلك التكتل.
·       الولايات المتحدة أعلنت عن تواجدها بشكل دائم في الساحل الغربي الأفريقي، بعد أن نقلت قاعدتها العسكرية (أفريكوم) من "شتوتغارت" بألمانيا إلى السنغال، وبالتالي قد تتعاون باريس وواشنطن ويستخدمان ورقة الجماعات الإرهابية لضرب المصالح الخليجية المُتنامية في أفريقيا "جنوب الصحراء"، وبالتالي أرجح أن تتفق باريس وواشنطن على إبقاء الجماعات الإرهابية بنصف قوة، وذلك لإستخدامهم متى ما دعت الحاجة لتقويض حجم طرف ما، خاصة أن هناك قوى بدأت تطل برأسها في أفريقيا مثل الصين، وروسيا، وتركيا، وكوريا الجنوبية، وهذا ما يُفسرعدم منطقية أن تجتمع الإيكواس/ وباريس/ والمجتمع الدولي على هزيمة بوكو حرام في نيجيريا، وتنظيم القاعدة في مالي ولم تنجح في القضاء عليهما حتى الأن.
تم نشر المقال في مركز مجمع الأفارقة في جمهورية مصر العربية على الرابط التالي:
http://cutt.us/oPCnf
تم نشر المقال في دولة الإمارات العربية المتحدة على الرابط  التالي:
http://www.alfajr-news.net/node/121000

 أمـــــينة العــــــــريمـــي
باحثــــة إمـــاراتيـــة فــي الشـــأن الأفــــريقــــي
Twitter:@gulf_afro
Afrogulfrelations_21@outlook.com

الاثنين، 5 سبتمبر 2016


"رحلتي إلى دول غرب أفريقيا أتمنى أن تطول"
(رحلة إلى دول غرب أفريقيا، من أغسطس-سبتمبر 2016) 


تشرفت بحضوري في المركز الأفريقي لدراسات السلام في العاصمة السنغاليه داكار لإلقاء محاضرة حول العلاقات الخليجية الأفريقية وسبل تعزيزها، وتشرفت بحضور السيده "روايقا دابا فال" مندوبة الإتحاد الإفريقي للسلام في جمهورية أفريقيا الوسطى ( الأولى من اليمين )، وحرم سفير مملكة بلجيكا في السنغال والخبيرة في الشؤون الأفريقية، والبروفيسور"باكي سامبي" مدير عام معهد تمبكتو للبحوث والدراسات الإستراتيجية، وكوكبة من الباحثين السياسيين في الشؤون الأفريقية.
للإطلاع على حثيثيات الزيارة يمكن زيارة الرابط التالي :-



زيارتي إلى المدينة الدينية القديمة للسنغال والتي كانت معقل لمقاومة الإستعمار الفرنسي في القرن الماضي، ويطلق عليها في السنغال إسم (Tiwawan)، ولكنها تُكتب باللغة الفرنسية بـــ (Tivaouane)، وأشكر الدكتور "لوالتوواني" النائب الأول لمدينة تووان الدينية ( الأول من اليسار)، والدكتور محمد الأمين النجل الأكبر للشيخ عبد العزيز الأمين شيخ الطريقة التيجانية في السنغال ( الأول من اليمين) على إستضافتي ومنحي بعض الوثائق القديمة والهامه عن تاريخ الإسلام في غرب أفريقيا.
خرجت من بيت الشيخ عبد العزيز الأمين وأنا محملةٌ بأمانة النقل عما سمعته ورأيته أنستني تعب يداي المُحمله بالهدايا من مدينة (تيووان / Tiwawan) الجميلة،،،،
(إن شاء الله خلال الأيام القليلة القادمة سيتم نشر حديث مصور أجريته مع الشيخ أحمد عبد العزيز الأمين النجل الأصغر لشيخ الطريقة التيجانية في السنغال والمُتخصص في العلاقات الدولية حول مستقبل الإسلام في غرب أفريقيا، ورؤيته للعلاقات الخليجية و العربية الأفريقية  في القرن الواحد والعشرين).

أمينـــــة العـــــريمــــي
باحثـــة إماراتيــــة فـــي الشــأن الأفـــريقــــي

الثلاثاء، 23 أغسطس 2016



إستراتيجية "فرنسافريك /francafrique" في أفريقيا
منذ عام 2009، وهو العام الذي ساقني فيه القدر لأول مرة لعواصم، وقرى، وشعوب القارة الأفريقية، وحتى هذه اللحظة التي أخط فيها هذه السطور، وأنا في حالة ما بين الإيمان بما رأيته ، وضعف اليقين بما كنتُ مؤمنة به قبل عام 2009.، ففي أفريقيا تعلمتُ أن الإيمان ليس بالضرورة أن يعززهُ يقين، واليقين ليس بالضرورة أن تكون له جذور، والجذور ليست بالضرورة أن تكون صالحة، نعم هكذا هو قانون الحياة في أفريقيا التي غادرتها ولن تغادرني أبداً.
إن التاريخ وإن كان يُكتب بأنامل الأجداد إلا أن هناك من الأجداد من قاموا بقطع أناملٌ كانت تُحيك أروع ما يمكن أن يُنسج رداءاً تتحلى به أفريقيا بعد عقود من تكريس ثقافة الإنسلاخ من كل ما هو أفريقي، فكثيرةٌ هي المؤلفات التي إقتنيتُها وأنا أتجول بين العواصم الأفريقية، وكثيرة هي المواقف التي جمعتني بمختلف الأعراق، والطوائف، والقوميات، في قارة المستقبل، لأتأكد بعدها إلى أي مدى إستحكمت تلك الأسس في نفوس الأفارقة، وتحولت إلى أحجار تُحركها الأهواء كيفما شاءت، إلى أن أصبحت قواعد لابد من إتقانها لكل من تسول له نفسه التعدي على الكرامة الأفريقية مع ضمان الإحتفاء به.
قد تكون العاصمة العاجية " أبيدجان " هي العاصمة الأفريقية الأولى التي أجهضتُ فيها جميع أفكاري القديمة وتولدت في نفسي قناعات جديدة أَضاءت لي الطريق إلى أفريقيا،  فأبيدجان هي المركز الذي إرتكزت عليه لفهم حقيقة وجوهر ما جرى قديماً ويجري حديثاً في عموم وسط وغرب إفريقيا.
من كوت ديفوار تعرفت ولأول مره على " فيليكس هوفويت بوانيي "*، هذه الشخصية الغائبة الحاضرة التي أحسست بوجودها رغم عدمه، ولمست طيفها وأنا في رحلتي من العاصمة الحديثة لساحل العاج "أبيدجان" إلى مدينة ياموسوكرا العاصمة القديمة التي إختارها "فيليكس بوانيي" في يوم من الأيام لتكون عاصمة لكوت ديفوار، لأجد إسم "فيليكس هوفويت بوايني" في الشوارع، والمدن، والقرى، والنوادي الرياضية، والمطارات، وفي عمق التاريخ الأيفوري، وجدت الحديث عن "فيليكس هوفويث بوايني"يثير التناقضات في أحاديث جميع من قابلتهم، ولا يمكن أن نتحدث عن "فيليكس هوفويت" بدون الحديث عن إستراتيجية " فرنسافريك /francafrique" ومؤسسها "جاك فوكار"، أو كما يطلق عليه في كتُب التاريخ الفرنسي " سيد أفريقيا في الأليزيه"، فلقد فرضت باريس إستراتيجية أطلقت عليها النخبة الأفريقية الوطنية في ذلك الوقت "إستراتيجية مُصغرة لإستغلال الدول الأفريقية"، أما من وجهة النظر الفرنسية المُعلنة فتقول باريس أن تلك الإستراتيجية هي عبارة عن شبكة تعاون بين باريس ومستعمراتها القديمة في أفريقيا، ولكن ما أدركه المواطن الأفريقي بعد ذلك من تطبيق تلك الإستراتيجية أن باريس تهدف من وراء تلك الإستراتيجية إلى الأتي :-
·       ضمان وصول الموارد الأفريقية الحيوية مثل اليورانيوم، والنفط، والماس إلى باريس.
·       زيادة القواعد العسكرية الفرنسية في أفريقيا.
·       إجهاض أفريقيا من المناضلين الوطنيين، وذلك بدعم الأنظمة الأفريقية التي تقف حجر عثرة أمام التوسع الشيوعي، وقد ظهر ذلك عندما إتهم الرئيس العاجي "فيليكيس هوفيت بوايني" الزعيم الغاني "كوامي نكروما" بتهديده للأمن القومي العاجي، وذلك بعد أن قام الأخير بدعم مملكة(*sanwi) التي كانت تنادي بالإنفصال عن كوت ديفوار، ومن جانب أخر أكدت كوت ديفوار أن الرئيس الغيني أحمد سيكوتوري تلقى دعماً من الرئيس الغاني "كوامي نكروما"، مما دفع فيليكس هوفيت إلى تأسيس ما يسمى بــــ "الجبهة الوطنية لتحرير غينيا"، وسمح هوفيت فيليكس للضباط العسكريين الذين نفذوا الإنقلاب على نكروما بإستخدام الأراضي الأيفورية كقاعدة تنسيق لتنفيذ مهامهم، ونجح الإنقلاب على الرئيس "كوامي نكروما" الذي كان ينادي بشعار"يجب أن تتحد أفريقيا"، أما في "لومي" توغو ، فقد قامت المُخابرات الفرنسية بالتعاون مع " الكي دورسيه" أو" وزارة الخارجية الفرنسية" بدعم الجنرال "غناسينغبي أياديما" لقتل الرئيس الوطني لتوغو "سيلفانوس أوليمبيو"، الذي كان ينادي بحرية الشعوب الأفريقية، وبعده تقلد القاتل الحكم في توغو لمدة أربعين عاماً، أما في نيجيريا فقد كان لــ "فيليكيس بوايني" دور في تأجيج التوترات السياسية التي كانت قائمة في إقليم بيافرا في نيجيريا، حيث وجدتها باريس فرصة لإضعاف المستعمرة البريطانية السابقة، فقامت فرنسا بدعم الإنفصاليين هناك، وعندما إنتصرت الدولة النيجرية على التمرد في جنوب شرق البلاد، عاد قائد التمرد "أوجوكو" إلى منفاه في كوت ديفوار، أما في أرض النزهاء "بوركينافاسو" وفي عهد الرئيس الراحل " توماس سانكرا" شهدت تلك الدولة ولأول مره إكتفاءاً ذاتياً في الغذاء وصل لحد "الفائض الغذائي" مما أعتبره المُعاصرون لتلك الحقبة معجزة في دولة أفريقية فقيرة، هذا بالإضافة إلى إستغناء المواطنون البوركينابيون عن الملابس المستوردة وإكتفائهم بالملابس المحلية التي باتوا يصنعونها بأنفسهم، والإصلاحات السياسية والإقتصادية التي شهدتها بوركينافاسو، وخوفاً من إمتداد تلك الإصلاحات لباقي العواصم الأفريقية، ووضع حد للشعارات التحررية التي كان ينادي بها الرئيس الراحل "سانكرا"، قامت المخابرات الفرنسية بالتعاون مع "فيليكس بوايني" بدعم المُعارض "جان كلود" الذي كان لاجئاً في ساحل العاج لتنظيم صفوف المُعارضة ضد نظام "توماس سانكرا"، خاصة أن باريس ترى بأن تحريك الخصم في أبيدجان أسهل وأقل خطراً من تحريكه في باريس، ونجحت إستراتيحية ( فرنسافريك /francafrique ) في التخلص من المُناضل "توماس سانكرا" على يد صديقه " بليز كومباوري" الرئيس السابق لبوركينافاسو، ويبدو لي اليوم أن فراره إلى ساحل العاج طلباً للأمان بعد الإنقلاب عليه في عام 2014 لم يكن وليد صدفة، وكأنما القدر يريد إخبارنا بأن كوت ديفوارالقديمة وبمن كان يرأسها ومن ورائه هي من أتت به إلى الحكم، وهي وبحلتها الجديدة من ستضمن أمنه وإن لم يعد رئيساً كما كان.
ينبغي الإشاره هنا إلى أهم المؤسسات الفرنسية "السرية" التي لعبت دوراً كبيراً في تمكين تلك الإستراتيجية وضمان نجاحها، كوكالة الوثائق الخارجية الفرنسية وجهاز مكافحة التجسس والتي كان يرمز إليها بالرمز"SDECE" / Service de Documentation Extérieur et de Contre-Espionnage، وباللغةالانكليزية Documentation and Counter-Espionage Service ، وهنا يجب عدم الخلط بين تلك الوكالة وبين المديرية العامة للأمن الخارجي في أفريقيا(DGSE/Direction Générale de la Sécurité Extérieure، والتي تهدف إلى مُتابعة الإستخبارات العسكرية البحته، والتي كان يرأسها في ذلك الوقت موريس روبرت، الذي لعب دوراً في تنصيب والإطاحة برؤساء أفارقة وفقاً للمصالح الفرنسية، وذلك بالتعاون مع مجموعة من المرتزقة أهمهم (جيلبير بورجيو) أو كما يسمى في أفريقيا "بوب دينار"، الذي إرتبط دوره بجميع الإنقلابات العسكرية التي شهدتها أفريقيا في ستينات وتسعينات القرن الماضي.
ترى بعض النخبة الأفريقية اليوم أن إستراتيجية فرنسافريك /francafrique ضعُفت ولم يعد لها وجود كسابق عهدها، خاصة بعد موت مؤسسها "جاك فوكار" ومُنفذها "فيليكس هوفويت بوانيي"، وإنقضى ذلك الزمن الذي كان تصوت فيه المستعمرات الأفريقية في الأمم المتحدة بصوت واحد لصالح باريس، ودليلهم على ذلك أن التواجد الفرنسي بجميع أشكاله سواء كان العسكري ،السياسي، والإنساني، قد إنخفض بشكل كبير، حتى المُعاهدات الأمنية وما تحتويه من بنود سرية تتم مراجعتها من كلا الطرفين الأفريقي والفرنسي، إلا أنني أرى بأن ذلك غير صحيح إلى حد ما، فإستراتيجية فرنسا فريك تعتبر ضرورة إستراتيجية عليا للدولة الفرنسية، وأكبر دليل على ذلك أن باريس  مازالت تدعم جبهة تحرير كابيندا أو ما تسمى سابقاً بـــ "الكونغو البرتغالية" ، التي تطالب بالإستقلال ، وسمحت لها بإفتتاح مكاتب تمثيل خاصة بها في فرنسا، هذا بالإضافة إلى الشركات الفرنسية الكبرى العاملة في أفريقيا مثل (أرافا /AREVAومن جانب أخر أطلق قصر الأليزيه في عام 2015 مشروع (فرنسا أفريقيا) لتعزيز العلاقات بين فرنسا وأفريقيا على أساس الشراكة والنمو المستدام والشامل، وهو عباره عن مؤسسة يرأسها رئيس الوزراء البنيني / الفرنسي السابق " ليونيل زينسو" أو "رجل فرنسا في بورتونوفو"، والذي كان يعمل في ديوان رئيس الوزراء الفرنسي السابق "لوران فابيوس"، ومن الجدير بالذكر أن الرئيس البينيني الحالي باتريس تالون بعد أن نجح في الإنتخابات الرئاسية ضد "ليونيل زينسو" الذي تتهمه المُعارضة بإعادة شبكة أفريقيا الفرنسية، قام بإصلاحات سياسية منها تخفيض فترة تولى الرئاسه لتكون فترة واحدة فقط، على عكس القادة الافارقة الذين يجرون إصلاحات دستورية للبقاء في الحكم لأطول فترة ممكنة، كما أكد على خفض أفراد حكومته ليقتصر عددهم على سته عشر فرداً فقط ، وأكد على مواجهته للتحديات التي تواجه البلاد في مجال التعليم، والبطالة، والصحة، ولكن إذا ما ثبت وتحقق ما نادى به الرئيس تالون من إصلاحات سياسية وإجتماعية فأخشى أن ينتهي به الأمر قريباً إما بإنقلاب أو إغتيال يزيحه عن الحكم ولا عزاء للوطنيين في أفريقيا، وتبقى الكلمة الأخيرة للإرادة الوطنية الأفريقية التي صدقتها وأمنت بها عندما أعلنت ذات يوم وقالت: " لن يستطيع أحدٌ أن يغير مجرى التاريخ في أفريقيا بعد الأن".
التوثيق
* فيليكس هوفويت بوانيي: أول رئيس لساحل العاج، إمتد حكمه ثلاثين سنه 1960-1993، تقلد مناصب في الحكومة الفرنسية قبل أن يصبح رئيساً لكوت ديفوار، نجح في إرساء علاقات قوية مع باريس في مقابل معاداته للشيوعية.
* مملكة Sanwi: هي حركة إنفصالية في كوت ديفوار تتكون من عرقية الـــ ( Anyi أو Agnis) ، وهم فرع من قبيلة " أكان" القبيلة الأشهر في غانا، ولكن  بعض المصادر أشارت إلى تواجد قليل منهم في ساحل العاج.

 تم نشر المقال في مركز مجمع الأفارقة في جمهورية مصر العربية على الرابط التالي :-
تم نشر المقال في دولة الإمارات العربية المتحدة على الرابط التالي:-

أمينـــــــة العـــــــريمــي
باحثــــة إماراتيــــة فـــي الشـــأن الأفريقــــي
Afrogulfrelations_21@outlookcom