الأحد، 6 أغسطس 2017



كلمـة فـي الإعـلام الأفريقـي

 يقول الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل في كتابه "كلام في السياسة" : "الفهم مطلوب قبل الحُكم بإستمرار ولكنه ضروري إلى الحد اللازم ولكن ليس بعده، لأن الزيادة في الفهم قد تُجنح بالأحكام إلى حيث تضيعُ الحدود، والبشر إذا زاد فهمهم قًدروا وإذا قًدروا فقد تركوا التسامح يغلبهم وعذروا، وإذا عذروا فإنهم في نفس اللحظة حتى وإن لم يقصدوا غفروا، والغُفران ليس مُلك البشر، وإنما مُلك التاريخ وحده، بمقدار ما أن التاريخ كلهُ مملكة لله" .
تلك العبارات هي كانت مُجمل حديثي مع نفسي وأنا مُتجهة إلى القناة الأفريقية العالمية، أو كما يُسميها الأفارقة (Africa Voice) التي وجهت لي دعوة كريمة للحديث عن أهمية العلاقات الخليجية الأفريقية وأثرها على المُجتمعين الخليجي والأفريقي، ومن باب حرصي على إرسال رسالة إلى بعض النخبة الأفريقية المُثقفة التي ترى في العلاقات الخليجية الأفريقية نوعٌ من الإستعمار الجديد يحاول فرض نفسه عليها، أو بمعنى أصح جزء من الإستعمار القديم الذي لم تتخلص منه أفريقيا بعد.
وجدتُ نفسي حقيقة أمام مُهمةٌ شاقة لن تؤتي أكلها ولن تحقق مُبتغاها في حوار تلفزيوني مدته ساعتان، فأثرتُ الإجتهاد في الحديث عن تاريخ العلاقات الخليجية الأفريقية التي سبقت الإستعمار الأوروبي لأفريقيا بقرون، والتي بدأت مع الفتوحات الإسلامية وتعززت وشائجها بقوافل الحج المُتدفقة سنوياً من عموم القارة الأفريقية إلى شبة الجزيرة العربية، ولم أنسى أن أضرب الأمثلة لأهم الزعماء الأفارقة الذين كان لهم دور كبير في تعزيز التعليم الثقافي والديني وتعلم ونشراللغة العربية في أفريقيا، وإنعاش طرق الحج للأراضي المقدسة مثل الشيخ  حاجي منسا موسى الذي أسس جامعة سانكوري التي تُعتبر مركز العلم في أفريقيا، والذي كان يوزع الذهب لكل ما كان يُقابله أثناء رحلته للحج من مالي إلى مكة المكرمة ما تسبب في إنخفاض سعر الذهب ودخل إقتصاد العالم في حالة تضخم لعشرين سنه قادمة بسبب تلك الرحلة، كما تناولت في حديثي الدور الثقافي الخليجي الأفريقي في الوقت المُعاصر، والذي يُمكن أن تلعبهُ الجامعات الخليجية والأفريقية والذي بدأ ينجح بإستقبال الطلبة الأفارقة في جامعة القاسمية في دولة الامارات العربية المتحدة في إمارة الشارقة، وتأسيس دولة الكويت لمركز جابر الأحمد التعليمي في السنغال، وتأسيس دولة قطر للجامعة الإسلامية في جزر القمر، كما دشنت مملكة البحرين جامعة الصومال للعلوم الطبية، وتأسيس المملكة العربية السعودية لعدد من الجامعات في أفريقيا مثل جامعة فيصل في تشاد ورعاية الرياض لمؤتمر إتحاد الجامعات الافريقية في مايو 2017، والذي كان لي شرف حضوره والتحدث من خلاله عن أهمية تعزيز العلاقات الخليجية الافريقية ثقافياً وذلك من خلال المُنتديات الثقافية والجامعات، كما تحدثت في لقائي عن ملف العمالة الافريقية "المتعلمة" في دول مجلس التعاون الخليجي والتي تحظى بإهتمام القيادات السياسية الخليجية، وتُمارس تلك العمالة دورها المُناط إليها بكل حرفية، وعند سؤالي عن الحضور الخليجي في أفريقيا، قلت أن الحضور الخليجي اليوم في أفريقيا هو حضور إقتصادي إستثماري فقط، ويكاد ذلك الحضور يتفوق على الحضور السياسي الذي لا أكاد أراه، وهنا المأزق الحقيقي لمثل هكذا علاقات لو أراد لها أن تستمر وتنتج، فلا يمكن أن أتحدث عن إستثمار وتجارة وإتفاقيات إقتصادية بدون حضور سياسي يدعم ذلك، وهذا ما يُعاني منه الطرفان (الخليجي – الأفريقي)، فالجانب الخليجي يفتقر معرفياً لحقيقة أفريقيا، ويفتقر لطواقم دبلوماسية مُؤهلة للتعامل مع أفريقيا وأزماتها المُتلاحقة، والتي لابد من معرفتها ودراستها لوضع إستراتيجيات لتقريب وجهات النظر بين الجانبين مما سيُسهل المُشاركة الخليجية في حل تلك الأزمات وبالتالي فهمها، أما الجانب الأفريقي فبالرغم من وجود الكوادر البشرية المُتعلمة والتي تمتلك رؤية سياسية إقتصادية واعدة لتعزيز العلاقات الخليجية الافريقية إلا إنها تحتاج لدعم على جميع المستويات لتحويل تلك الرؤية إلى واقع، كما أن دول الخليج العربي وبعض الدول العربية و الدول الأفريقية يشتركان في "نهج " وهو أن بعض الدول الأفريقية ترى أن وجود سفارات وقنصليات لها في بعض الدول الخليجية والتي تراها من وجهة نظرها "مُهمة" سيغُنيها عن باقي الدول الأخرى، ومن الجانب الأخر ترى بعض الدول الخليجية أن وجود سفارة لها في الدول الأفريقية المُرشحة لقيادة ركب التطور في أفريقيا سيغنيها عن البقية الباقية وهذا غير صحيح، فكل دولة من الجانبين لها أهميتها ولها دورها الذي يُمكن أن نراهن عليه، وكل ما هو مطلوب منا هو دراسة بعضنا البعض للبدء بالعمل على الوصول بتلك العلاقات بما ينفع الجانبان .
وأخيراً، أكثر ما بدأتُ أتفهمه وأحاول جاهدة لمعرفة أسباب التغاضي عنه في قضية العلاقات الخليجية الأفريقية هو "ملف المواليد" ومنهم الأفارقة الذين كانوا حجاجاً إلى الأماكن المقدسة وبقوا فيها، والبعض الأخر هاجروا من أقصى دول الوسط والغرب الأفريقي هرباً من إضطهاد الإستعمار الأوروبي الذي سيطر على القارة الأفريقية بعد مؤتمر برلين أو "مؤتمر الكونغو" (1884-1885) وأستقر بهم الحال في شبه الجزيرة العربية ولم يخرجوا منها حتى تاريخ كتابتي لهذه السطور، وهنا نتحدث عن أجيال مُمتدة باتت جزء لا يتجزء من عموم شبه الجزيرة العربية، وهناك الكثير منهم ومن له إسهامات علمية وأدبية بارزة في المُجتمعات الخليجية مثل الأديب والقاص التشادي أدم يوسف الذي إستضافته القناة الثقافية السعودية في مايو 2017 الذي أشار إشارة واضحة للتواصل بين الدول الأفريقية والخليجية والعربية، وبالتالي أرى بضرورة العمل على كسب تلك النخبة فهم حجر الاساس لإرساء العلاقات الخليجية الأفريقية، وهم الجسر الأول الذي يمكن أن تعبر من خلالة رؤية خليجية مُستقبلية لأفريقيا المُستقبل في القرن الواحد والعشرين.





د. أمينة العريمي
باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
@gulf_afro