الخميس، 26 أبريل 2018


الإمارات بين جيبوتي والصومال

من يقرأ التاريخ الصومالي- الجيبوتي سيُدرك أنه تاريخ واحد ولكن لسوء حظه أنه ترعرع في بيئة مُتناحرة رغم ولادته في بيئة سمحاء قادت ذات يوم أطول الحروب مُقاومةً للإستعمارعلى مدار التاريخ بقيادة الزعيم محمد عبد الله حسان ( مؤسس الدولة الدرويشية )، فمن إمبراطورية "عجوران" التي حكمت المنطقة من القرن الرابع عشر حتى السابع عشر مروراً بسلطنة "إيفات" إلى سطنة "عدل" 1529 إلى حكم أسرة "جوبورون" 1848 إلى مؤتمر برلين 1884-1885 وبداية الإستعمار الأوروبي لأفريقيا إلى "محمود فرح الحربي" (رئيس الوزراء ونائب رئيس مجلس حكم جيبوتي) إلى الرئيس الراحل "حسن جوليد أبتيدون" ( أول رئيس لجمهورية جيبوتي عام 1977)  نجد أن معظم الخليجيين وللأسف لم يتعرفوا على مثل هذا التاريخ العريق الذي سيجدونه لو قرأؤه مُمتداً إليهم بطريقة أو بأخرى، فلم تشهد الصومال وجيبوتي منذ إستقلالهما من الإستعمار البريطاني والفرنسي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي حراكاً خليجياً كالذي شهدته منذ بداية عام 2015، وتبدو الرياض وأبوظبي هما الأكثر حضوراً في منطقة القرن الأفريقي عن قريناتهم الخليجيات.
تُعتبر دولة الإمارات المُستثمر الأكبر في جيبوتي، فقد منح صندوق أبوظبي للتنمية جيبوتي (50) مليون دولار كمنحة لمدة خمس سنوات لتمويل المشاريع التنموية في فبراير2015، كما تم التوقيع على الإتفاقية المُشتركة للتعاون الأمني والعسكري، إلا أن العلاقات بين أبوظبي وجيبوتي شهدت تدهوراً وصل لإغلاق القنصلية الإماراتية في جيبوتي وإيقاف رحلات فلاي دبي إلى جيبوتي وذلك بسبب الخلاف على سيرعمل شركة موانىء دبي العالمية في (دورالية جيبوتي) التي تُعد أكثر المحطات التقنية تقدماً على الساحل الشرقي لأفريقيا علماً بأن شركة موانىء دبي العالمية تعمل في جيبوتي منذ 14 عاماً، إلا أن العلاقات بين الطرفين سرعان ما عادت لسابق عهدها وفتحت القنصلية الإماراتية في جيبوتي أبوابها في يناير 2016 إعلاناً بحل الخلاف بين الطرفين إلا أن العلاقات عادت للتوتر في فبراير 2018 بسبب الخلاف القائم بين شركة موانىء دبي العالمية والحكومة الجيبوتية، أما في الصومال فلقد بدأت علاقة أبوظبي بالصومال عام 1978 عندما دعمت أبوظبي مشروع (بربرة- برعو) و( سكر جوبا) عام 1977، وفي عام 2012 نفذت الإمارات مشروع إنشاء السدود، كما قادت أبوظبي مُبادرة المصالحة بين الأطراف الصومالية والتي تمثل بــــ (ميثاق دبي 2012) الذي يُعد الإتفاق الأول من نوعه بين الحكومة الصومالية وحكومة أرض الصومال منذ أكثر من 21 عاماً ، وأكدت صحيفة The Wall Street Journal في سبتمبر2016 حصول الإمارات على عقد لإدارة أهم موانىء القرن الأفريقي (ميناء بربرة) في إقليم أرض الصومال لمدة ثلاثون عاماً ، إلا أن العلاقات الصومالية الإماراتية شهدت تدهوراً خطيراً في الأيام القليلة القادمة وصل لمستوى غير مقبول من تبادل الإتهامات.
نظراً لأهمية سوق شرق أفريقيا حرصت غرفة تجارة وصناعة دبي على إفتتاح أول مكاتبها التمثيلية في أفريقيا عام 2013، كما وقعت غرفة تجارة وصناعة دبي في أكتوبر 2016 نيابة عن مجموعة س.س لوتاه الدولية /S.S Lootha Trading  إتفاقية مع بنك أوروميا الدولي بقيمة 184 مليون درهم لدعم قطاع الزراعة والماشية ومُنتجاتهما الصالحة للتصدير، وعملت الحكومة الأثيوبية على إنشاء أربع مناطق صناعية متخصصة وهي (ديرداوا، أواسا،كومبولتشا، أديس ابابا) ، وإستعانت بخبرة الإمارات لتطوير تلك المناطق الصناعية، ومن جانب أخر أكدت شركة (Systems Saasur Solar) العاملة في مجال الطاقة الشمسية بدولة الإمارت أنها وجدت فُرص إستثمارية في أثيوبيا وذلك بعد إنشاء أديس أبابا مشاريع كبرى لإنتاج الطاقة الكهرومائية من خلال إقامة السدود، وعرضت الشركة على أثيوبيا إنتاج الكهرباء الرخيصة عبر إستخدام الطاقة الشمسية على أن يكون التصميم الهندسي لمصانعها في الإمارات ويتم بعد ذلك تركيبها في المناطق التي يتفق عليها الطرفان
نأتي أخيراً على أرتيريا، فلقد بدأت العلاقات الإماراتية الأريتيرية بعد إعلان إستقلال أسمره 1993، وفي عام 1995 دعم صندوق أبوظبي للتنمية مشروع التوليد والنقل الكهربائي في أرتيريا، ودعم مشاريع البنية التحتية عام 2009، كما دعمت أبوظبي ميزان المدفوعات عام 2012، ومؤخراً حصلت دولة الإمارات على عقد إيجار في ميناء عصب كجزءٍ من إتفاقية الشراكة المُبرمة لغرض إقامة قاعدةٍ عسكرية إماراتية.
في ظل تدهور العلاقات الإماراتية الجيبوتية الصومالية أرى بأن أمام دولة الإمارات ثلاثة سيناريوهات رئيسية في القرن الأفريقي :-
السيناريو الأول : توافق المصالح الأثيوبية الصومالية الجيبوتية، تلتقي أديس أبابا مع مقديشو في إلتزامها الخط الحيادي الواضح من الأزمة الخليجية، ومن ناحية أخرى تسبب تصاعد الخلاف الإماراتي الصومالي الجيبوتي الأخيرعلى تقريب وجهة النظر الجيبوتية الصومالية فالطرفان يلتقيان على ضرورة تعطيل ميناء بربرة الذي تراه جيبوتي مُنافساً لها وتراه مقديشو مساساً بسيادتها إذا لم يتم إستثماره عبر حكومتها المركزية وتبقى المُراهنة هنا على الوجود السعودي في جيبوتي الذي يمكن أن يساهم في تقريب وجهات النظر بين جيبوتي وأبوظبي والصومال.
السيناريو الثاني : التعاون الأمريكي الفرنسي في القرن الافريقي، من المرجح أن تتعاون واشنطن مع باريس في منطقة القرن الأفريقي لمحاصرة النفوذ الصيني والتركي ولمنع تقارب المصالح الخليجية خاصة أن القوى الدولية (واشنطن) والقوى الإقليمية (إيران، تركيا) تُدرك أن إختلاف الرؤي السياسية بين دول الخليج العربي هو السبب الأول في إستمرار العمليات العسكرية في جنوب الجزيرة العربية "اليمن"، وهو أيضاً الدافع وراء هذا الحراك الخليجي الغير مسبوق في القرن الافريقي وعليه يتم التعامل ورسم الإستراتيجيات.
السيناريو الثالث: التنسيق الأمني والإستخباراتي في القرن الافريقي، قد يتعزز التنسيق الأمني الإستخباراتي الخليجي ( أبوظبي، الرياض) الأمريكي في القرن الافريقي ولكن يبقى السؤال هنا ما هو المستوى الذي سيصل إليه ذلك التنسيق المشترك؟ وهل سيكون بالمستوى الذي تتطلع إليه الرياض وأبوظبي خاصة أن واشنطن وإن تعاونت مع القوات المُتحالفة في جنوب الجزيرة العربية وفي القرن الافريقي إلا أن تعاونها سيأتي بشكل محدد ووفقاً لما تراه واشنطن في صالحها والذي سيفضي بالطبع لمزيد من خلط الأوراق في تلك المنطقة.
وبناءاً على كل ذلك أرى بأن تعمل دولة الإمارات على الأتي:-
·       البدء بتشكيل لجنة حوار دبلوماسية إماراتية جيبوتية صومالية برعاية الإتحاد الأفريقي لنزع فتيل الخلاف وإحتواء الأزمة منعاً لتصعيدها وحرصاً على دور الإمارات المستقبلي في القارة الأفريقية.
·       إيجاد حل سريع للأزمة الخليجية وفتح باب القنوات الدبلوماسية.
·       إيصال رسالة إعلامية مُكثفة لجمهورية الصومال الشقيقة أن دولة الإمارات لم تسعى ولن تكون شريكة في دعم إنفصال الأقاليم الصومالية وإنما تُشارك في دعم الأقاليم شبه المُستقله وفي دعم الحكومة المركزية في مقديشو في أن واحد ويرجع ذلك إلى خبرة الإمارات في المجال الفيدرالي التي تأسست عليه منذ قيامها عام 1971، أضف إلى ذلك رعاية الإمارات لميثاق دبي للمصالحة الصومالية عام 2012 الذي إجتمعت فيه الأطراف الصومالية لأول مرة بعد 21 عاماً من الخلافات.
·       دعم الرياض في خطوة المنتدى الجيبوتي السعودي والعمل على تكرار مثل تلك المنتديات في الدول الأفريقية الأخرى.
تم نشر المقال في دولة الإمارات ، وفي جريدة السلام في استوكهولم وفي مركز مقديشو للبحوث والدراسات الاستراتيجية ، يمكن زيارة الروابط التالية :

د. أمينــــــة العريمـــي
باحثــة إماراتيـة في الشـأن الأفريقــي
@gulf_afro




السبت، 14 أبريل 2018


الـعلاقـات الخـليجيـة الأفـريقيـة 
  قال لي مستشار البرلمان النيجري أن الأزمة الخليجية  أثرت على العلاقات الخليجية الأفريقية وعلينا كأفارقة ، فقلتُ له سأتحدث معك بلسان مواطنة خليجية أحزنها ما حدث وسيحدث مُستقبلاً بسبب هذه الأزمة المؤسفة التي قضت على ما تبقى من أخلاق كنا نؤمن بها

يرجع تاريخ العلاقات الخليجية الأفريقية إلى ما قبل الإسلام ، حيث عرف سكان شبة الجزيرة العربية بلاد الأفريق عندما أسس عرب اليمن أو ما يُطلق عليهم حينها "السلالة السليمانية"* مملكة أكسوم عام 325 قبل الميلاد، وكانت هذه المملكة من أقوى الحضارات الأفريقية وكانت تجارتها ضمن نطاق شبة الجزيرة العربية، وبعد إنتشار الإسلام بدأت العلاقات بين بلاد الأفريق وشبة الجزيرة العربية تأخذ منحى أكثر عُمقاً وحملت تلك المرحلة من العلاقات دلالات أصبحت ماثلة وخالدة في عين التاريخ بدءاً بزيارة ملك أفريقيا الأول كانجا مانسا موسى للجزيرة العربية عام 1324م مروراً بإقامة العالم الأفريقي الشيخ عمر الفوتي في الجزيرة العربية لمدة عشرون عاماً وإنتهاءاً بقوافل علماء أفريقيا الذين هاجروا من أقصى الغرب الأفريقي إلى شبة الجزيرة العربية هرباً من بطش الإستعمارالأوروبي الذي جاء بعد مؤتمر برلين أو ما يسمى بمؤتمر الكونغو 1884-1885م، ويجب هنا التفريق بين مؤتمر برلين الذي نظم الإستعمار والتجارة في أفريقيا وبين مؤتمر برلين 1878م الذي أعاد صياغة معاهدة سان ستيفانو الشهيرة.
نالت دول الخليج العربي* إستقلالها في نفس الحقبة التاريخية التي نالت فيها أغلب الدول الأفريقية إستقلالها وهي في ستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي وبدأت العلاقات بين الجانبين تأخذ طابعاً حداثياً تتبادل وتتعاون فيه الدول في شتى المجالات الدبلوماسية والإقتصادية إلا أن التعاون بين الجانبان ظل متواضعاً طيلة العقود الماضية ولم تتعزز العلاقات الخليجية الأفريقية إلا مُؤخراً.    
تُدرك دول مجلس التعاون الخليجي اليوم أن حضورها الإقتصادي في أفريقيا يتفوق على حضورها السياسي ويرجع السبب في ذلك إلى عدة عوامل أهمها :عدم الإستقرار السياسي لبعض الدول الأفريقية، وبروز الصورة  السلبية والمغلوطة والغيرعادلة في الذهن الخليجي عن الدول الأفريقية مما أعاق العمل السياسي الخليجي في الساحة الأفريقية، فالسياسة الخليجية وإن كانت قد نجحت إلى حد ما في تدشين بعض المشاريع التجارية والإستثمارية في بعض الدول الأفريقية وعملت على خلق فرص عمل والذي ساعد بلا شك في إنعاش جزئي لتلك الدول إقتصادياً إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي لم توظف تفوقها الإستثماري والإقتصادي بما يخدم مصالحها السياسية إلا بعد أن وجدت نفسها على خط المواجهة العسكرية مع طهران في جنوب الجزيرة العربية القريبة من السواحل الشرقية للقارة الأفريقية، أضف إلى ذلك الشك الذي بدأ يساور الشارع الخليجي بعد تأسيس واشنطن ما يسمى بالمجلس الإستشاري الأفريقي، وتمديد قانون النمو والفرص لعشر سنوات، وإنشاء القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا عام2007م والتي أطلق عليها (أفريكوم/USAFRICOM)، وإصدار كتاباً حمل عنوان “African Oil Policy Initiative Group” والذي يؤكد على ضرورة إستبدال النفط الخليجي بالنفط الأفريقي خاصة بعد صدور تقاريرإقتصادية أمريكية تؤكد أنه بحلول عام 2020 ستحصد الولايات المتحدة ربع نفطها من أفريقيا، هذا بالإضافة إلى تميز النفط الأفريقي بمميزات يتفوق بها على النفط الخليجي مثل: إنخفاض نسبة الكبريت مما يقلل عملية التكرير، وقرب السواحل الأفريقية من السواحل الشرقية للولايات المتحدة وهذا ما أعطى النفط الأفريقي ميزة القرب الجغرافي التي ينافس بها النفط الخليجي، ويبقى السؤال هنا هل ستتحول العلاقات الخليجية الأفريقية مُستقبلاً من التعاون اليوم إلى التنافس غداً؟
كيف يمكن تعزيز العلاقات الخليجية الأفريقية ؟
·       البدء بتأسيس تكتل إقتصادي يضم دول الخليج العربي وبعض القوى الأفريقية الصاعدة مثل أثيوبيا، نيجيريا، جنوب أفريقيا، وسيكون لهذا التكتل نتائج إيجابية فقد تتقارب وجهات النظر المغربية-الأفريقية بشأن ملف الصحراء الغربية وإقناع بعض الدول الأفريقية بسحب الإعتراف من الجمهورية العربية الصحراوية ومن ناحية أخرى يمكن لدول الخليج تحجيم النفوذ الإيراني في أفريقيا.
·       دعم عمل صندوق أبوظبي للتنمية في مشاريع الطاقة المُتجددة في أفريقيا كتلك التي تم دعمها في السيراليون عام 2014.
·       تأسيس معاهد ومراكز خاصة بالدراسات الأفريقية في دول الخليج لتقريب وجهات النظر والعمل على قراءة أفريقيا بشكل مُستقبلي .
·       دعم المملكة العربية السعودية في برنامج إصدار الصكوك الإسلامية في أفريقيا لإنعاش الإقتصاد الأفريقي من ناحية والمُحافظة على الأموال الخليجية من أي إبتزاز سياسي/ إقتصادي مُستقبلي من ناحية أخرى.
·       العمل على إنجاح مشروع جسر اليمن – جيبوتي الذي سيُعزز التبادل التجاري بين دول القرن الأفريقي ودول الخليج العربي.


* السلالة السليمانية ترجع إلى الملك سليمان (نبي الله سليمان) وملكة سبأ.


نشر المقال في جريدة البيان الإماراتية



د.أمينــة العريمــي
باحثة إماراتية في الشـأن الأفريقـي
@gulf_afro