أزواد، حلم الطوارق*
أزواد، قد
لا يكون لها معنى أو مكان في الحوارات الفكرية بدول الخليج العربي، فهي قضية لم
تحاول أن تفرض نفسها في الصحافة الخليجية ويرجع السبب في ذلك برأيي إلى قناعة
الشعب المالي أن طرح قضاياه أياً كان نوعها لن يتناولها الإعلام الخليجي بشي من التفصيل
الدقيق لحقيقة ما يجري فيها، فإبتعاد المواطن الخليجي جغرافياً وفكرياً عن مناطق الصراعات في القارة الأفريقية أنجبت قناعة
أفريقية خليجية مُتبادلة أن الطرفان لن يفقهان حقيقة إهتمام الأخر.
تكاد لا
تخلو دولة أفريقية من شبح إنفصال جزء من أراضيها، ففي أغلب الدول الأفريقية التي مكثتُ
فيها زمناً لابد أن أرى طيف ذلك الشبح مُسيطراًعلى مفاصل الدولة، ويستنفر النظام
بإعلان حالة الطوارىء التي تؤثر بشكل أو بأخرعلى سير الحياة الطبيعية للبلاد.
أثناء
حضوري لمؤتمر التنمية السياسية الأفريقية في العاصمة الغانية أكرا عام 2012، إلتقيت
بمجموعة من الزملاء الماليون شاركوني في تقديم ورقة علمية وجاء الحديث عن قضية
أزواد التي كنتُ قبل دقائق من مقابلتهم لا أفقه عنها سوى أن الحديث عنها في
العاصمة المالية باماكو قد يقودك إلى الإعتقال .
بدأت مشكلة
أزواد بقدوم الإستعمار الفرنسي إلى مالي في نهاية القرن التاسع عشر، الذي هزم بعد مقاومة شرسة أكبر السلطنات
الطارقية التي كانت تحكم أزواد لقرون، وهما سلطنة كل أضاغ وسلطنة إوليميدين
كل أترام، وأستمر الوضع في
الإقليم تحت السيطرة الفرنسية حتى عام 1958، حينها تقدم الأهالي برسالة إلى شارل
ديغول يطالبون فيها بدعمهم لإقامة دولة أزواد المُستقلة، إلا أن باريس رفضت ذلك وتم ضم
الإقليم لجمهورية مالي1960 برئاسة موديبو كيتا أحد أكبر زعماء الإشتراكية في
أفريقيا .
أدرك
مواطنو أزواد أن الحكومة الجديدة تخطط للإستيلاء على ممتلكاتهم لتحقيق مبدأها الإشتراكي، وبدأت
أول ثورة في كيدال عام 1962-1964 بقيادة زيد الطاهر زعيم قبيلة إيفوغاس الطارقية، وإنتهت تلك الثورة بإخمادها على يد
قائد الجيش أنذاك ديبي الذي ذكرته المصادر بأنه إرتكب أسوأ ما يمكن أن يرتكبة
إنسان في حق البشرية، وفرضت الحكومة بعدها حُكماً عسكرياً أدى إلى نزوح أغلب
السكان إلى الدول المجاورة، إلا أن هناك مجموعة وجدوا في ليبيا مقراً لهم بعد أن
وصل الراحل معمر القذافي للحكم عام 1969، والذي رحب بهم فكانوا سنداً له في تأسيس
الكتيبة الخضراء المُسلحة التي كان لها دور في الحرب التشادية الليبيبة التي ما إن
إنتهت حتى كافئت الحكومة الليبية الطوارق بتأسيس الحركة الشعبية لتحرير أزواد عام
1988، وبها إنطلقت الثورة الثانية من عام
1990حتى 1996، وتخللت في تلك الفترة مُبادرة الرئيس موسى تراوري الذي وقع مع
الثوار إتفاقية تامنراست في
الجزائر عام 1991 القاضية
بإعطاء منطقة كيدال الحكم الذاتي والعمل على تنمية المنطقة، إلا أن الجيش المالي
بقيادة الجنرال أمادو توماني رأى بأن تلك الإتفاقية ما هي إلا تهاون في حق الوطن، فنفذ
الجنرال مدعوماً بالمعارضة المالية إنقلاباً عسكرياً أطاح بالرئيس تراوي، وأصبحت
كيدال وأهلها هدفاً رئيسياً لبطش الأجهزة الأمنية لدرجة أن القادة العسكريون كانوا
يرددون في إجتماعاتهم السرية عبارة شهيرة تسربت بعد ذلك للشارع المالي مفادها
"أن قضية الطوارق تكمن في إبادتهم".
يدرك الماليون
على مختلف طوائفهم وعرقياتهم وإنتماءاتهم أن جيشهم الوطني ما كان له أن ينجح في
إخماد تلك الثورات التي شهدتها مدن إقليم أزواد في كيدال وغاو لولا الدعم الفرنسي
الذي يرى أن السماح بإستقلال ذلك الإقليم وتحكم الطوارق فيه ما هو إلا تضييق لإستراتيجية
فرنسا فريك التي تمارسها باريس على دول الغرب الأفريقي منذ عقود، وتقتضي تلك
الإستراتيجية ضمان وصول الموارد الأفريقية الحيوية مثل اليورانيوم والنفط والماس
إلى باريس، وزيادة القواعد العسكرية الفرنسية في أفريقيا، وإجهاض أفريقيا من
الأصوات الوطنية وذلك بدعم الأنظمة الأفريقية التي تقف حجر عثرة أمام وصول تلك
الأصوات للسلطة.
الغريب أن ما
حدث في إزواد من قمع لم يزد أهلها إلا قوة فظهرت جبهات شعبية مُتعددة كالجبهة
المتحدة لتحرير أزواد، الجيش الثوري لتحريرأزواد،
الجبهة العربية الإسلامية لتحرير أزواد، والجبهة الشعبية لتحرير أزواد، وكلها تهدف إلى تأسيس دولة مُستقلة
للطوارق في شمال مالي، فقاد الرئيس المالي السابق ألفا كوناري مصالحة وطنية وتم حل
جميع الحركات المُسلحة في مهرجان شعلة السلام الشهير في مدينة تمبكتو بحضور دولي، ولكن
ذلك السلام الذي تم الإتفاق على تحقيقه لم يتحقق لتقوم بعد ذلك الثورة الثالثة
بقيادة إبراهيم أغ بهنقا من 2006 إلى 2009 وسرعان ما أخمدت بقتل قائدها، لتعود الثورة
مرة أخرى بقيادة الحركة الوطنية لتحرير أزواد التي تأسست عام 2010، وتعزز دورها بإنضمام
ألاف الطوارق العائدين من ليبيا بأسلحة ثقيلة بعد سقوط النظام الليبي، وأعلنت
الحركة قيام دولة إزواد المستقلةعام 2012، وتحالفت مع الجماعات الدينية كأنصار
الدين وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا التي بدأت تسيطر على العديد من المدن،
وهنا شنت باريس حملتها العسكرية المُسماة "بسيرفال" أو" القط
المتوحش" ونجحت في الإستيلاء والسيطرة على المنطقة من ذلك الوقت حتى اليوم.
يؤكد الواقع
السياسي في جمهورية مالي أن إستقلال إقليم أزواد لن يتحقق على المدى البعيد وحتى
لو فرضنا أن فرنسا وصلت إلى إتفاقية تتقاسم فيها ثروات الإقليم مع الطوارق
والحكومة المالية في مقابل إعطاء الإستقلال للإقليم، فإن ما يدركه الماليون أن
باريس لن تسمح بدولة مُستقلة بذاتها إستقلالاً حقيقياً وغنية بثراوتها في الغرب
الأفريقي، فإستقلال إقليم أزواد يحتاج إلى دعم دولي حتى يتحقق، ومن يدري قد تتباين
القوى الدولية يوماً ويتحقق ذلك الحلم .
* ملاحظه : شاركت بهذه الدراسة في
منتدى القضايا الأفريقية في جمهورية السنغال عام 2016 /2017 وتم نشرها سابقاً، وهذه الدراسة تتكون من جزأين الأول بعنوان ( ازواد، حلم الطوارق) ، والثاني بعنوان
( كيدال والدور الخليجي ) تناولت فيه الدور الحقيقي لكل دولة خليجية على حدة من
تلك القضية الشائكة وذلك وفقاً لما شهدته وخبرته في تلك المنطقة.
يمكن قراءة الدراسة ومتابعة
أجزائها على موقع العلاقات الخليجية الأفريقية الرسمي باللغتين العربية
والإنكليزية على العنوان التالي :
د.أمينة العريمي
باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق