التقارب التركي الصومالي السوداني (رؤية
خليجية)
تبدو أنقرة في الصومال سباقة ومُنفردة بتأسيس كل ما هو
" أكــبر" في علم العلاقات الدولية، فتركيا ترى في الصومال الركيزة
الأساسية الأولى لتعزيز رؤيتها الإستراتيجية المُستقبلية تجاه القارة الأفريقية،
يؤهلها في ذلك طاقم دبلوماسي مؤهل ساهم في نجاحها بإفتتاح " أكبر" سفارة
تركية في العالم في العاصمة الصومالية مقديشو، تلته إفتتاح " أكبر"
قاعدة عسكرية تركية في العالم على التراب الصومالي، ومن الجدير بالذكر أن عمل تلك
القاعدة تدعمه مراكز تدريب عسكرية خاصة مُجهزة بأحدث الأجهزة، وسبق كل ذلك مُساهمة
أنقرة في تطوير القطاع الخدمي الصومالي والذي كان من أبرز نتائجه إفتتاح "أكبر"
مُستشفى في شرق أفريقيا بإدارة تركية وصومالية أطلق عليه "مستشفى مقديشو"
والذي أصبح يستقبل مواطني دول الجوار الصومالي من جيبوتي وإرتيريا وأثيوبيا وكينيا،
ناهيك عن تأسيس الجامعات والمدارس التركية التي باتت تنتشر في المدن والقرى
الصومالية، فتركيا في الصومال تبدو كلاعب إقليمي يمتلك عدة أوراق يستطيع إستخدامها
متى شاء، هذا فضلاً عن وجود قاعدة صومالية شعبية واسعة تدعم توجهات أنقرة في
الصومال، أما في السودان فتبدو أنقرة أقرب لتحدي أطراف إقليمية تحاول منعها من
إيجاد موطىء قدم في البحر الأحمر خاصة أن الخرطوم يُنظر إليه كشريك أساسي في
التحالف العربي بقيادة الرياض، وتُشارك قواته في دعم الشرعية اليمنية، ومن ناحية
أخرى فتور العلاقات المصرية السودانية بسبب الملفات العالقة بين الطرفين وأهمها
ملف مثلث حلايب الذي ترى الخرطوم أنها لم تجد الدعم الخليجي الكافي حول هذا الملف.
جاءت زيارة أوردغان
للسودان إرساءاً لبزوغ عودة التواجد التركي في البحر الأحمر من البوابة السودانية،
فما يهم أنقرة الأن هو تعزيز تواجدها في البحر الأحمر(السودان) والمحيط الهندي
وخليج عدن (الصومال)، فالخرطوم بعد أن خُذلت من العرب لن تتوانى في إقامة تحالفات
إستراتيجية حقيقية مع قوى إقليمية ترى فيها الخرطوم فرصة لإستعادة دورها القديم
كلاعب إقليمي محوري وهذا حق أصيل للسودان، خاصة أن تلك القوى الإقليمية باتت تُشكل
رقماً صعباً في السياسة الدولية، ولكن كيف سيُفهم التقارب التركي السوداني
الصومالي في الخليج العربي وبالأخص في أروقة وزارات الخارجية الخليجية كلاً على
حدة، خاصة أن كل وزارة خارجية خليجية لها رؤيتها السياسية الخاصة والتي لا تتوافق
مع الأخرى بلا شك.
فلنبدأ بالصومال، حيث ترى بعض دول الخليج العربي أن
التوجه التركي في الصومال حقق نتائجه بشكل أفضل ما حققته الدبلوماسية الخليجية
ويرجع السبب في ذلك إلى عدة عوامل أهمها :
-. إستيعاب أنقرة لجذور المشكلة الصومالية قبل 1991 وما
بعدها مما ساعدها في فهم الشخصية والمزاج الصومالي.
-. إدراك الجوار الإقليمي للصومال والتعاطي معه بما يصب
في مصلحة السياسة التركية في الصومال.
-.وجود قاعدة شعبية صومالية ليست بالقليلة تدعم التوجهات
التركية في بلادهم والتي تراها بأنها لا ترتكز على الإملاءات والضغوط السياسية.
تلك الأسباب
مجتمعه مع تضاعف الإستثمارات والتطوير الذي قادته تركيا في الصومال كانت كفيلة من
وجهة النظر الخليجية بنجاح أنقرة في الصومال، إلا أن التقارب التركي الصومالي يزعج
بعض دول الخليج التي لا تتفق رؤاها السياسية مع تركيا وبالتالي ترى في أنقرة مهدد
لمصالحها في الصومال مما سيؤدي إلى حرب باردة بين الطرفين (الخليجي والتركي) بدأت
تظهر بوادرها بظهور شخصيات صومالية بارزة تطالب بضرورة الضغط على النظام الصومالي
لتغيير موقفه المُحايد من الأزمة الخليجية، إلا أن التواجد التركي في الصومال يدعم
نظام الرئيس محمد فرماجو ويعطيه دافعا قوياً لمواجهة الضغوطات التي تُمارس عليه من
الخارج والداخل الصومالي، وسيتضاعف عمل القاعدة العسكرية التركية في مقديشو لمنع
أي تحرك عسكري ضد النظام الصومالي أو محاولة الإنقلاب عليه، خاصة أن أنقرة لديها
رؤية كاملة ومدروسة عما يتعرض له الصومال من تجاذبات إقليمية، وتُدرك القيادة
التركية وفي هذا التوقيت أن المعركة في الصومال ليست معركة سطوعلى السلطة بل هي
معركة إستهداف الصومال كدولة ومحاولة حقيقية لتقسيمها وإنتزاع الإعتراف الدولي
لأقاليمها شبه المستقلة.
أما السودان فترى بعض دول الخليج العربي أن التقارب
التركي السوداني جاء مُتحدياً لها ومُنافساً لمصالحها في البحر الأحمر وهذه وجهة
نظر تعززها القاهرة، وبالتالي ترى دول الخليج بأنه لابد من فهم أبعاد التقارب
التركي السوداني قبل البدء بعمل ما لا تحمد عقباه، خاصة أن السودان شريك أساسي
لبعض دول الخليج العربي وأي إجراء ضده ليس في صالح قوات التحالف العربي المُرابطة
في اليمن، ولكن دعونا نأخذ الموضوع من وجهة النظر السودانية، فالخرطوم ترى أنها
بعد أن شاركت مع قوات التحالف العربي وأنضمت كتائبها العسكرية مع الكتائب المقاتلة
في اليمن أن المُقابل لا يساوي خسارة جنودها في اليمن، خاصة أن الشارع السوداني في
مجمله والذي يقوده أبرز النخب السودانية يرى أن ما يجري من معارك ضارية في اليمن
ليست من شأنه وليست معركته ولن تقدم للسودان كبلد الكثير وإن كانت ستقدم ثمناً
للقيادات السياسية السودانية وهذا شأن أخر يتجادل فيه مواطني أرض المقرن.
زيارة الرئيس التركي للسودان إنتهت بإتفاقيات إقتصادية
وتعاون عسكري سيعزز مكانة الخرطوم في محيطه وهذا ما تراقبه القاهره عن كثب، فتركيا
تدرك أن وجودها في البحر الأحمر وإستلامها لمدينة "سواكن" السودانية سيدفع
القاهرة لمزيد من القلق من عودة الأتراك إلى
عمقها الإستراتيجي، وبالتالي قد تلجأ القاهرة إلى البدء بعودة العلاقات المصرية
التركية تدريجياً وهذا ما أعلنه وزير الخارجية المصري سامح شكري عن رغبة القاهرة
بإستئناف العلاقات مع أنقرة مؤخرا،ً خاصة أن القاهرة باتت تُدرك أن توتر العلاقات
مع أنقرة ليس في صالحها وستعمل القاهرة للحيلولة دون تفوق العلاقات السودانية
التركية على حسابها.
السيناريوهات
السيناريو الأول : من المرجح أن تدعم الصين وروسيا وإيران
المحور السوداني التركي خاصة أن الصين تعول على السودان ومع رفع العقوبات الأمريكية
عن السودان قد تتحول الخرطوم لقاعدة مركزية لتفريغ وتوزيع البضائع الصينية، أما
إيران ففي ظل التقارب السوداني التركي من الممكن أن تعود العلاقات السودانية
الإيرانية تدريجياً إلا إنني أرى أن الخرطوم تمتلك من الحكمة ما سيمنعها من إعلان
عودة العلاقات السودانية الإيرانية على المدى القصير والمتوسط.
السيناريو الثاني : من المرجح نشوء تحالف إستراتيجي من نوع
خاص بين تركيا والصومال والسودان، وقد يكون ذلك التحالف دافعاً لدول أفريقية أخرى
قد تتُطالب بالإنضمام إليه، وقد نرى قريباً قواعد عسكرية تركية في عدد من العواصم
الأفريقية شبيهة بتلك التي في الصومال.
السيناريو الثالث: وصول أنقرة لسواحل البحر الأحمر سيدفع
القاهرة إلى مُضاعفة تواجدها في مثلث حلايب المُتنازع عليه مع الخرطوم، وقد يدفع أطراف
إقليمية إلى مواجهة أنقرة بشن حرب بالوكالة ضد المصالح التركية ومن يستضيفها.
ستجد بعض دول الخليج نفسها وحيدة أمام هذه التحالفات
الجديدة في الشرق الأفريقي مما سيدفعها إلى تغيير رؤيتها المستقبلية، ولكني أخشى
على دول الخليج العربي وبسبب إختلاف رؤاها السياسية وإنشغالها بالخلافات الجانبية
التي أفرزتها الأزمة الخليجية وما تلاها من تصعيد طال أمن وسلامة المواطن الخليجي
أن تُدرك متأخراً ما خسرته من حاضر ومستقبل لها ولشعوبها وحينها لن يكون أمام
الشارع الخليجي إلا ترديد ما كان يقوله السفير الأمريكي الأسبق في تل ابيب مارتن
انديك "الخليجي الجيد هو الخليجي الميت" وفي رواية أخرى "العربي
الجيد هو العربي الميت" .
*مقال
مقدم إلى مركز مقديشو للبحوث والدراسات الإستراتيجية
د. أمينة العريمي
باحثة سياسية
إماراتية في الشأن الأفريقي
@gulf_afro
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق