أزمة خليجية في شرق أفريقيا (الجزء الأول)
قضيتُ إجازتي كلها في أفريقيا، ورغم إرتباطي العملي
إلا إنني مددتُ إجازتي وصمتُ رمضان كاملاً في ربوعها وقراها وبين أهلها، وحل علي عيد الفطر
السعيد وأنا بين جموع أفريقية غفيرة إصطحبتني معها لصلاة العيد في مشهدٍ تمنيتُ
وقتها أن يتوقف الزمن عند تلك اللحظة المُهيبة ليقنع الأرض قبل البشر أن قيمة الإسلام
متجذرةٌ في أفريقيا وهيهات لمن يسعى لإقتلاعها.
منذُ شهر إبريل 2017 إلى
اليوم زرتُ أكثر من ثلاث دول أفريقية والهدف من زيارتي هو التعرف على أفريقيا عن قُرب
ومُعايشة أهلها إجتماعياً وثقافياً حتى يتسنى لي وضع البذور الأولى لمشروعٍ قضيتُ أرسم
ملامحهُ لأكثر من ثماني سنوات وهو: " البدء بترسيخ العلاقات الخليجية الأفريقية"
هذه العلاقات التي لا يهتم بها الذهن الأفريقي لقلة حيلته رغم عشقه لكل ما هو عربي،
ويرفُضها الذهن الخليجي لقلة درايته وسلبيته تجاه كل ما هو أفريقي، وقبوله بها
مؤخراً بعد أن أدرك أن أمنه القومي ومُستقبله السياسي وتطلعه الإقتصادي وتعايشهُ
السلمي مُرتبطٌ بقبر تلك الصورة السلبية لأفريقيا وأهلها في مُخيلته والنظر إليها
كمُكملٌ لوجوده الذي بات على المحك .
كنتُ وما زلتُ مؤمنةً أن
المشاق والعقبات أمامي كثيرة وليس من السهولة بمكان التخلص منها ولو وجدتُ طريقة
للتخلص منها ما فعلت لأنني موقنة بأن أي مشروع إن لم يرتكز على مبدأ صادق خالص له
فلن ينجح أبداً وبالتالي لابد من المواجهة والتشمُر للصعاب وهذا ما تعلمته في
البحث العلمي، وعندما أتحدث عن العلاقات الخليجية الأفريقية دائماً ما أتبنى المصالح
الخليجية مُجتمعة بإعتبارها مصالح واحدة لوحدة سياسية واحدة يمكن أن نبني عليها
إستراتيجيات مُستقبلية ستعود بالنفع على المجتمع الخليجي والأفريقي إلا إني أصطدمت بحالة خاصة جعلتني أراجع موقفي
كله بعد أن زُج بأفريقيا ومُستقبل أهلها في أتون الأزمة الخليجية المُحتدمة هذه
الأيام والتي أخشى أن تتحول من أزمة خليجية -خليجية إلى أزمة خليجية أفريقية راهنتُ
الكثير أنها لن تتحقق.
لنبدأ بالصومال تلك
الدولة الجريحة التي إستعصت على كل شىء إلاعلى نفسها، فبقدوم الرئيس محمد فرماجو
إلى سدة الحكم في مقديشو تعلقت أمال الصوماليين جميعاً ونحن معهم بالرؤية
الإستراتيجية المُستقبلية لصومال الغد والتي تبينت في أزمة الخليج الحالية، فالرئيس
محمد فرماجو يُدرك بأن الأزمة الخليجية وما تلته من تصعيدات خطيرة هي شأن خليجي
داخلي والزج ببلاده في أتونها ليس في صالح مُستقبلهُ السياسي ناهيك عن مُستقبل
بلاده وبالتالي إلتزام الحياد هو سيد الموقف رغم إنقسام الشارع الصومالي ومُنظمات
المجتمع المدني إلى معارض ومؤيد لذلك الحياد، أما أديس أبابا فموقفها لم يختلف عن
موقف مقديشو، فأثيوبيا إلتزمت الحياد الحذر ودعت للحوار بين الأطراف، إلا إني أرجح
أن موقف أثيوبيا من الأزمة الخليجية سيتغير بتغير الإستراتيجيات، وأعني هنا
إسرائيل التي وجدت في الأزمة الخليجية فرصة ذهبية لإعلان التطبيع مع دول الخليج
العربي بعد أن كان سرياً والتي ظهرت بوادره في قناة تلفزيونية إسرائيلية بتاريخ
13/1/2016 )[1](، أما جيبوتي فموقفها من الأزمة الخليجية كان مُتوقعاً بعد تطور
العلاقات الإماراتية السعودية الجيبوتية مؤخراً والذي إمتد من التعاون الإقتصادي
إلى التعاون الأمني والعسكري وبالتالي إتخاذ جيبوتي خطوة تخفيض التمثيل الدبلوماسي
بينها وبين الدوحة تبدو طبيعية وإن لم تكن كذلك فسيكون ثمة جنون سيُصيب مُحللي الشؤون
الأفريقية على مستوى العالم، أما أرتيريا فتبنت أيضاً موقف مُحايد ولكن حيادية
أسمرة من الأزمة الخليجية أقرب لمُساندة الدوحة ودعم موقفها، ولا غرابة في ذلك
فالعلاقات القطرية الأرتيرية تبدو مُختلفة عن سائر دول الخليج مُجتمعة، فالدوحة من
الأطراف الإقليمية النادرة التي تحظى بثقة النظام الحاكم في أسمره في جميع المجالات
وعلى رأسها نجاح الدوحة في قيادة دور الإصلاح بين الفرقاء الأرتيريين، ناهيك عن
دعم دولة قطر للخطة التنموية الشاملة للحكومة الأرترتيرية
منذ عام 2000 إلى اليوم.
بالرغم من إختلاف موقف
جيبوتي وأرتيريا من الأزمة الخليجية إلا أنني أرى بأن هاتان الدولتان ما هما إلا تجسيداً
ومثالاً حياً للعلاقات الصومالية الأثيوبية المتوترة، فقد كانت الأولى جزءاً من الصومال ( جيبوتي / الصومال
الفرنسي )، والأخرى ( أرتيريا) كانت جزءاً من أثيوبيا حتى عام 1993، إلا أن
الدولتان الأم ( الصومال وأثيوبيا) وجدتا في تلك الدولتان المُستقلتان عنهما
ضالتهما، فأثيوبيا وجيبوتي تجمعهما مصلحة "أمنية" في الصومال، فكلا
الدولتان لا يرغبان برؤية صومال موحد مُستقل
مُستقر واعد قد ينهض ويُطالب مُجدداً بإحياء مشروعة الأزلي (الصومال الكبير)،
فجيبوتي اليوم ليست الصومال الفرنسي القديم، وأثيوبيا لم تسمح منذ عقود بعودة
إقليم أوجادين لأصله الأم (الصومال) وبالتالي لن تسمح بعودته اليوم وقد بات يُشكل
أهم الأقاليم الأفريقية الواعدة في شرق أفريقيا بعد إكتشاف النفط والغاز فيه
مؤخراً والذي سيُعزز مكانة أديس أبابا كإحدى أهم القوى في شرق أفريقيا، وبالتالي من
المُرجح أن الضغوط الدبلوماسية من دول الخليج المُحاصرة لدولة قطر ستلعب دوراً في
تغيير الموقف الصومالي والأثيوبي تجاه الأزمة الخليجية في حال إستمرارها وبما أن
القاهرة طرف في تلك الأزمة فإن أديس ابابا ستعزل موقفها من الأزمة الخليجية وتعلنه
في مقابل إستمرارها في التركيز على عدم التصالح مع المصالح المصرية المائية وستمضي
قدماً في إفتتاح مشروع سد النهضة في يوليو القادم 2017، ومن ناحية أخرى ستستثمر
دول الخليج المُحاصرة لدولة قطر في مكانة أثيوبيا السياسية وستدفعها لإستمالة بعض
الدول الأفريقية القوية مثل نيجيريا وجنوب أفريقيا التي إلتزمت الحياد تجاه الأزمة
الخليجية وبعض القوى الصاعدة كروندا للإنضمام إليهم، ومن ناحية أخرى قد تتعاون دول
الخليج المُحاصرة لدولة قطر في عرقلة الإتفاقيات الإقتصادية التي أبرمتها الدوحة
في إبريل الماضي من العام الحالي مع عدد من دول شرق أفريقيا وذلك بتعويض تلك الدول
بما تنص عليه الشروط الجزائية في تلك الإتفاقيات، إلا أن ما يُعيق هذا التوجه هو
التواجد التركي القوي في دول القرن الأفريقي الداعم للدوحة، أضف إلى ذلك رؤية تلك الدول
الأفريقية لأزمة الخليج الحالية على أنها أزمة غامضة تعتريها الكثيرمن الشكوك هذا فضلاً
عن كونها شأن خليجي داخلي يمكن أن يُحل بالحوار.
إختلاف مواقف دول القرن الأفريقي
في الأزمة الخليجية أرى بأنه سيولد وضعاً جديداً وسينتقل الصراع من خليجي خليجي
إلى خليجي أفريقي وهذا ما ِأشرت إليه في دراسة علمية سابقة نشرت في مركز مقديشو
للبحوث والدراسات الإستراتيجية في مارس من العام الحالي، فأخشى أن تتحول دول القرن
الأفريقي إلى ساحة تصفية حسابات بين دول الخليج العربي في ظل تباين
الرؤى السياسية لكل دولة خليجية، والدور المُستقبلي الذي تُريده كل دولة خليجية
لنفسها وبمعزل عن الأخرى، وإختلاف رؤية كل دولة خليجية للتنظيمات السياسية
مثل" الأخوان المسلمين"، كل
ذلك سيقود إلى التنافس" الغيرصحي" بين دول الخليج، والخشية أن يصل إلى
"التأمر التدميري" على ضرب مصالح بعضهم البعض ليس فقط في القرن الأفريقي
بل قد يمتد لدول أخرى مما سيصيب فكرة الإتحاد الخليجي في مقتل خاصة أنه لا سبيل
لتقارب تلك الرؤى بين دول الخليج العربي على المدى القريب أو المتوسط على الأقل.
-
ورقة تم تقديمها إلى مركز مقديشو للبحوث
والدراسات الإستراتيجية
-
تم تقديمها إلى المركز الأفريقي للدراسات
تم نشر المقال في
الموقع الخاص للعلاقات الخليجية الافريقية على الرابط التالي :
د. أمينة العريمـي
باحثة إماراتية في
الشأن الأفريقي
@gulf_afro
[1]
- https://www.youtube.com/watch?v=dL1zbMR1-uU
بحث ثري
ردحذف