السبت، 30 يوليو 2016



"تشاد" بين مجد التاريخ وبذاءة العالم المُتمدن











تتزاحم عندي المعاني، وأرحل مع التاريخ، وأستسلم أمام الجغرافيا ، وأتعجب من بذاءة العالم المُتمدن في غير عوالمه، ونبذه لبذاءة العالم الأخر في عالمه ، وأقف حائرةً أمام شخصيات أكدت بأنها صارعت الموت لأجل الوطن ولكن ما إن لوح لها القدر بإمتلاك السلطة حتى صارعت الوطن وأعدمته.
لم تأتي كتابتي اليوم عن جمهورية تشاد من باب المُطالعة الثقافية أو التحليل السياسي لوضع تلك الدولة، ولا من باب حرصي على إرسال هذا المقال لإحدى دور النشر لتدواله، بقدر ما هو تعبير عن حالة الصدمة والحيرة " الخانقة" التي يقف المرءُ أمامها عاجزاً حتى عن التفكير ناهيك عن الحل ، وأعترف لكم إنني ولأول مره منذ بدأت أبحاثي وأوراقي العلمية تتجه إلى القارة الأفريقية أستغرق كل هذا الوقت لأكتب عن جمهورية تشاد ، التي ما إن تعمقت في تاريخها ، وجغرافيتها ، ونفسية شعبها ، حتى وجدت نفسي أقف بين إحساسين مُتناقضين لا يبارح أحدهما مكانه فما أن يتطاول أحدهما  حتى يتعزز الأخر.
تضاربت الروايات حول معنى إسم تشاد فهناك رأي يقول: أن كلمة تشاد في الأصل هي معنى لكلمة الشاطىء في اللغة العربية ، فعندما سكنت القبائل  على ضفاف  البحيرة التي أصبحت اليوم تحمل إسم  "بحيرة تشاد" كانت تلك القبائل لا تتقن اللغة العربية الفصحى فوجدت في كلمة " الشاطىء" تعبير عن المنطقة التي يقطنونها وإن كانوا ينطقونها بشكل غير صحيح
أما الرأي الثاني فيقول أن كلمة "تشاد" مأخوذة من كلمة (chet) وتعني "كل" بلغة القبائل التي تقطن في تلك المنطقة ، فمثلاً يقولون " الرجال عادوا شت" أي " رجع الرجال كلهم ".
أما الرأي الثالث وهو الأقرب كما ذكره المؤرخون والذي يقول أن كلمة "تشاد" مأخوذه من نوع من الأسماك يتواجد في بُحيرة تشاد، تلك البحيرة التي أصبحت بعد ذلك مهد لمملكة كانو /برونو في العهد القديم، ويكاد يجتمع أغلب المؤرخين للتاريخ الأفريقي أن العصور الوسطى هي الفترة الذهبية لتاريخ وسط وغرب أفريقيا
أسست الأسرة الماغومية السيفية والتي يرجع أصلها إلى البربر مملكة " كانم برونو" التي ضمت تشاد وأفريقيا الوسطى وشمال نيجيريا، وكان ملوك تلك المملكة يُطلق عليهم إسم " المايات" ومفردها " ماي" وتعني " الملك" ، ويعتبر "الماي أوم عبد الجليل" صاحب الفضل في جعل الإسلام ديناً رسميا للمملكة بمساعدة الداعية " محمد بن ماني" الذي عاصر ملوك مملكة كانم بورنو جميعهم.
ضمت تلك المملكة عدداً ضخماً من القبائل العربية، والزنجية ، والبربرية مثل: قبيلة " الكانوري" وقبيلة " الكانمبو" وقبيلة " الصو" ، وقبيلة " الشوا" التي تشير المصادر أنهم قدموا من وادي النيل إلى تشاد ، وقبائل " التبو" و" بربر الطوارق" وأدى هذا الإختلاط بين القبائل المُختلفة إلى ظهور قبائل جديدة مثل " السالمات" و"التنجور" و" البولالا" ، ومن الجدير بالذكر أن قبيلة " البولالا" بزعامة سلطانها "عبد الجليل بن سيكوما" نجحت في القضاء على  الأسرة "السيفية الماغومية" وطردها إلى غرب بحيرة تشاد أو ما يُعرف بإقليم "بورنو" بعد ذلك، وأصبحت "كانم "جزءاً من "بورنو" وليس العكس، ومن إقليم بورنو إستجمعت الإسرة السيفية الماغومية قواها  وأنزلوا بقبيلة " البولالا" هزيمة ساحقة بقيادة " الماي علي بن أدريس" الذي لُقب بـــ " حارق البولالا"، وبعد مقتله في إحدى المعارك جاء " الماي أدريس ألوما" الذي قضى على "البولالا" تماماً، ونجح في إستعادة ملك أجداده وأبائه في كانم، إلا أن تلك المملكة إعتراها ضعف بسبب تولى حكام زمام الأمور لم يكونوا بالمستوى المطلوب، بالإضافة إلى مهاجمة بعض القبائل الأفريقية الوثنية للإقاليم الغربية للمملكة، وتعرض المملكة لحرب من "إمارات الهوسا" خاصة إمارة كانو، والغزو الفولاني التابع لقبيلة "الفولانيين"، وهم قبائل إنحدرت من شمال أفريقيا، وإستقرت في غربها " نيجيريا" ، وأعلنت تأسيس دولة " الفولانيين" بعد أن ضمت إمارات مملكة كانم برونو ، وبمقتل " الماي علي بن دالاتو" إنتهي عهد الإسرة السيفية الماغومية"، وبدأ بعدها عهد الإستعمار الأوروبي الذي تعزز بعد مقتل "الرابح الزبير" في معركة قوصيري عام 1900 لأنه كان يحاول منع باريس من دمج مُستعمراتها الشمالية مع مستعمراتها في وسط وغرب أفريقيا، وبدأ نشاط الإستعمار الفرنسي في تشاد بوصول البعثات التنصيرية التابعه للكنائس الكاثوليكية والبروستانتية والتي إستهدفت المناطق الجنوبية لتشاد لأنها كانت في الأساس مناطق يتبع معظم أهلها الديانات الأفريقية التقليدية، ومن المُفارقات أن باريس في عام 1917 أرتكبت مجزرة بحق الأمة التشادية تسمى " مذبحة كبكب" -أي الساطور- في العاصمة الدينية لتشاد " أبشا"، والتي ما زال صداها حاضراً إلى اليوم ، حيث تم قتل أربعمائة شيخ دين وداعية  لوضع حد لإنتشار الدين الإسلامي الذي رأته باريس تهديداً للأنشطة التنصيرية التي تقوم بها الكنيستين ( الكاثوليكية والبروستانتية)، ولكن عندما تعرضت باريس للغزو الألماني تحولت تشاد لمنطقة دعم عسكري للقوات الفرنسية التي إستعانت بالشباب التشادي للقتال في صفوفها حتى تحررت عام 1943، وتعتبر تشاد أول دولة رفعت علم فرنسا الحره حتى قبل الكونغو برازافيل.
كان الدعم الفرنسي من خلال البعثات التنصيرية سبباً رئيسياً في إستمرار حكم تشاد لمدة ثماني عشر عاماً من القبائل الجنوبية المسيحية من أول رئيس لتشاد " فرانسوا تومبالباي" الذي غير إسمه إلى "أنطرتا تومبالباي" ، لإيمانه بعدم التبعية للإستعمار، وحرصه على تشاد، وظهر ذلك في مقولته الشهيرة "إما أن تكون تشاد دولة حقيقية أو أُقُتل" فتم قتله عام 1975، مروراً بــــ " نويل أودينغار" إلى " فيلكس ملعوم" الذي تم إسقاطه عام 1978 بقيادة أول رئيس مسلم لتشاد "جوكوني عويدي"، الذي قاد نشاطاً سياسياً مُسلحاً ضد الحكومات التشادية التي كانت تمارس نوع من الإضطهاد ضد المُسلمين، والذي يكُن له جزء من التشاديين نوع من التقدير رغم قصر فترة حكمه، والسبب أنه بعد أن نجح الإنقلاب عليه بقيادة "حسين هبري"، إستعان الرئيس بالقيادة الليبية لإفشال الإنقلاب، ولكن ما إن تأكد من رغبة طرابلس بإحتلال شمال تشاد والسيطرة على إقليم " أوزو" حتى تعاون مع غريمه "حسين هبري" وتم طرد القوات الليبية من تشاد.

تعيش تشاد اليوم حالة من اللاوعي السياسي، فالمُعارضة التشادية غير متوحدة، بالرغم من إنضمام شخصيات مهمة لها أمثال العقيد بشارة جاموس أحد مؤسسي الحزب الحاكم في تشاد، ورفيق سلاح للرئيس التشادي الحالي إدريس ديبي، إلا أنه إنضم مؤخراً لصفوف المعارضة التي يقودها صالح كيبزابو، مما أعتبره البعض بأنه يقوي جبهة المعارضة ضد النظام الحاكم ، ومن جانب أخر نرى أنه بالرغم من نسبة المسلمين التي تتفوق على نسبة المسيحين في تشاد إلا أن المنظمات التنصيرية التي تحمل شعار"الخبز مقابل يسوع"ما زالت تعمل في العاصمة أنجمينا وعلى مرأى ومسمع من الحكومة، مثل (word vision)، وأوكسفام (Oxfam)، و(secour catholique/ الإغاثة الكاثوليكية(، ولا توجد منظمات إسلامية قوية تمنع نشاطها ، كما أن الشارع التشادي مُحتقن بسبب ضعف مؤشر التنيمة الإجتماعية التي لم تحقق الأهداف الإنمائية التي كان يترقبها المُواطن التشادي بالرغم من إرتفاع العوائد النفطية التي تبلغ عشرة مليار دولار، إلا أن جلها يذهب للجيش وشراء المعدات العسكرية.
يعي النظام الحاكم في تشاد أن المُعارضة وحدها لن تنجح في إسقاط النظام ، خاصة أن باريس لا ترى حتى الأن على الأقل البديل المُناسب للرئيس إدريس ديبي، الذي شارك في الحرب على التنظيمات الإرهابية في غرب أفريقيا، حتى وإن إمتعضت باريس سراً بموقف الرئيس التشادي الذي سمح لمؤسسة البترول الوطنية الصينيه (cnpc) بالعمل في تشاد، وإستقبال الجنرال "ديفيد رويغز" قائد القوات الأمريكية في أفريقيا لمُناقشة السبل الناجعه لمحاربة بوكوحرام، إلا أن أنجمينا وبحكم التاريخ تمتلك خبره في فهم سياسة طول النفس الفرنسي وإلى أي مدى قد يصل وبعدها ينقطع ليندفع بقوة مُحرضاً وداعماً للمُعارضة التشادية لإقتحام القصر الرئاسي.
من باب حرصي على العلاقات الخليجية الأفريقية ، وأهمية دول أفريقيا جنوب الصحراء لدول الخليج العربي، إتصل بي مركز دعم إتخاذ القرار التابع لوزارة الداخلية الإماراتية أثناء زيارة الرئيس التشادي إدريس ديبي لدولة الإمارات بتاريخ 28/5/2016،  طالباً مني ترتيب مجموعة أسئلة يمكن أن تكون محوراً للحديث مع الرئيس التشادي، فخط قلمي الأسئلة التالية:-
1.بماذا خرجت القمة الأمنية في أبوجا ( نيجيريا) ؟ وإن كانت هناك نتائج حقيقية لتلك القمة هل سينتهي خطر بوكو حرام في وسط وغرب أفريقيا؟
2.كيف ترى سعادتكم مُستقبل دول غرب أفريقيا بإحتضانها لأكبر منظمة أمنية عسكرية ( الإيكواس) ؟
3.هناك مثل أفريقي هوساوي يقول : مياه إطفاء الحرائق ليست بالضرورة أن تكون نظيفة ، سؤالي يا سعادة الرئيس كيف تمت تسوية الأمور بين الميلشيات العسكرية في أفريقيا الوسطى، والتي قسمت العاصمة بانغي بين ميلشيات الأنتي بلكا وميلشيات السليكا ، خاصة أن سعادتكم من أهم الفاعلين في تسوية ذلك الملف ؟
4.قالت جريدة ليموند الفرنسية عام 2008 أن سعادتكم أقوى رئيس يمر على تشاد، سؤالي يا سعادة الرئيس هناك شركات أجنبيه تعج بها المناطق التشادية ، فهل يمكن أن يكون هناك باب للإستثمارات الإماراتية في تشاد تصل لمستوى المُنافسة مع الشركات الأجنبية، خاصة أن دولة الإمارات العربية المتحدة جاءت وستقصد أفريقيا كشريك أساسي وليس كمُستعمر سابق؟
5.كيف ترى مستقبل أفريقيا جنوب الصحراء خاصة بعد إختيار سعادتكم رئيساً للإتحاد الأفريقي؟
6.سعادة الرئيس إزدهرت اللغة العربية في تشاد منذ تولي سعادتكم الحكم وهذا ما يثلج صدورنا كعرب وخليجيين، سؤالي لسعادتكم هل دعمكم للغة العربية كلغة مُعترف بها في تشاد هو تمهيد لإنضمامكم إلى جامعة الدول العربية والذي نتشرف به ونتمنى أن يكون قريباً؟
تلك كانت الأسئلة التي خطها قلمي ، ولا أخفيكم سراً إنني كتبت في نهاية تلك الأسئلة عبارة هذا نصها " قد يعتذر الرئيس التشادي عن إجابة بعض الأسئلة بوضوح ولكن تبقى الحقيقة واحدة لا يمكن الحياد عنها خاصة أن الساسه والنخب الأفريقية حياتهم وأنشطتهم مُعلنة خاصة أمام مواطنيهم".
أرسلت تلك الأسئلة للمركز البحثي الذي قصدني ولم أسئل بعدها عن ردود الرئيس التشادي الذي أعلم يقيناً أنه لن يجيب عليها بالطريقه التي تقنعني كباحثة تبحث عن الحقيقة في قارة المستقبل " أفـــــريقيـــــــا "
 تم نشر المقال في مركز مجمع الافارقة على الرابط التالي :
تم نشر المقال في دولة الامارات العربية المتحدة

أمينـــــــة العـــــــريمــي
باحثــــة إماراتيــــة فـــي الشـــأن الأفريقــــي

Afrogulfrelations_21@outlookcom

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق