الأحد، 3 يوليو 2016




دوي إنفجار إسطنبول في أفريقيا
في الساعات الأولى من صباح يوم الأربعاء الماضي جاءني صوتاً لصديق قديم من العاصمة العاجية أبيدجان بدا لي حزيناً جداً على تفجيرات إسطنبول الأخيره ، حتى أحسست بأن الحُزن مُخيم  ليس فقط على كوت ديفوار بل في عموم القارة الأفريقية ، أخذ صديقي العاجي يتحدث قرابة العشر دقائق عن الدور التركي في أفريقيا والذي وصفهُ مُحدثي بـــ " الإيجابي والمُحافظ على كرامة الأفارقة" ، وفجأة لاحظ صديقي صمتي المُدقع الذي سرعان ما إلتقطه ليبدد حالة التعجب التي أصابتني من عمق الحزن الأفريقي على ما أصاب الأتراك قائلاً لي " لا تستغربي حديثي عن تركيا فهي الأمل الأخير للأفارقة بعد أن خذلهم العرب"، لم أملك بعد سماعي لتلك العبارة إلا الإستمرار في الإستماع لصديقي العاجي، ولكن هذه المره من غير تعجب فالأمور بدت لي واضحة .
ترى أنقرة ومنذ القدم بأن أفريقيا جزءاً من أراضي الخلافة العثمانية وعمقاً إستراتيجياً لها ، فمثلما كان الباب العالي يسيطر على الشمال الأفريقي ، كان أيضاً يسيطر على دول الساحل الأفريقي مثل إريتريا ، والصومال، والسودان ، فالدور التاريخي لتركيا في أفريقيا كان يتجلى في إطار هيمنة الخلافة العثمانية على السواحل في البحرين الأبيض والأحمر، وبعمق أكثر حتى منابع النيل، وبإمتداد حتى الصومال تلك المنطقة المهمة من الناحية الإستراتيجية في القرن الإفريقي، والتي سيطرت على المسارات التجارية قديماً.
أما حديثاً، فعندما أتحدث شخصياً عن الدور التركي في أفريقيا أراه شبيهاً إلى حد بعيد بالدور البرازيلي البارز في أفريقيا، خاصة في عهد الزعيم البرازيلي السابق " لويس إيناسيو لولا دا سيلفا"، الذي يُعتبر أول رئيس في تاريخ البرازيل يزور أفريقيا بتلك التكرارية ، وتجتضن برازيليا في عهده وما زالت أكبر عدد من السفارات الأفريقية ، في مقابل تفوق البرازيل على جميع دول أمريكا اللاتيينة بعدد سفاراتها وقنصليتها في أفريقيا، تماماً كتركيا اليوم التي وصلت عدد سفارتها في أفريقيا إلى 39 سفارة ، فمنذ عام 2005 بدأت أنقره بوضع خطة إستراتيجية واضحة تعبر عن التوجه السياسي التركي الذي يرى في أفريقيا قارة المستقبل ، خاصة أن الدول الأفريقية تتمتع بموقع جيوسياسي، وتتميز بإقتصاد ناشىء وقوي، وبعد أن حققت تلك الخطة الإستراتيجية التركية في أفريقيا أهدافها من خلال مُضاعفة البعثات الدبلوماسية التركية في القارة البكر والتي يولها الرئيس التركي " رجب طيب أوردغان" أهمية كبرى كداعمة للتبادل التجاري والحوار السياسي، ومعززةٌ للتنمية والتعليم، وحصول أنقرة على عضوية مراقب في الإتحاد الأفريقي، وعضوية بنك التنمية الأفريقي، وصندوق التنمية الأفريقي، الذي أصبحت بموجبه تركيا العضو الخامس والعشرين في بنك التنمية الأفريقي من خارج أفريقيا ، نجحت أنقره في إحتلال موقع متقدم أمام القوى الدولية والإقليمية الناشطة في أفريقيا.
ترى تركيا اليوم أن القارة الأفريقية ما هي إلا قاعدة للطاقة التركية ، ومن هنا قامت بتأسيس القمة التركية الأفريقية، وبلغ حجم التبادلات التجارية بين تركيا وأفريقيا 25 مليار دولار في أواخر عام 2015، كما تم تدشين منطقة تجارة حرة مع دول غرب أفريقيا أو كما تسمى (أرض اليورانيوم)، وتنظم تركيا سنوياً فعالية ( يوم أفريقيا ) بتاريخ 25 /5 من كل عام، إلا أن الساحة الأفريقية تشهد حراكاً نشطاً منذ عام 1991 وبروز عالم القطب الواحد، فالولايات المتحدة إنفردت سياسياً وعسكرياً ببعض الدول الأفريقية الواقعه في شرق وغرب القارة، وقامت بتعزيز ذلك بمجموعة من المبادرات أهمها مبادرة الطاقة لأفريقيا، ومجموعة مبادرات خاصة بمُحاربة الإرهاب مثل مبادرة (محطة الشراكة الإفريقية) المُنبثقة عن قيادة الجيش الأمريكي في إفريقيا (الأفريكوم)، كما عززت واشنطن سيطرتها على النفط الافريقي من خلال المجلس الإستشاري لأفريقيا الذي يقف وراء تضخم الاستثمارات الامريكية في قطاع النفط في غرب افريقيا، وتبعه موافقة الكونغرس بتمديد قانون النمو والفرص في افريقيا (أغوا) لمدة عشر سنوات ، أما الصين فهي دولة تجارية، وليست على إستعداد للتدخل في التغيرات السياسية الأفريقية، كما أنها لا تملك أي وسيلة للقيام بذلك، فالصين تعتمد على القوى المحلية والغربية لحماية مصالحها في افريقيا، مما يدل على أن التناقضات بين الصين والغرب في الشؤون الدولية ليست كبيرة، والمنافسة بينهما مختلفة عن المنافسة التي كانت بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي، فتحركت الصين لتطوير وتأمين مواردها النفطية في أفريقيا، وتمثل ذلك في تأسيس الصين لمنتدى التعاون الصيني الافريقي (فوكاك)، وصندوق التنمية الصيني الافريقي كألية لتشجيع الإستثمارات الصينية في افريقيا، وإرسال أهم الشركات النفطية الصينية للعمل في افريقيا مثل مؤسسة النفط البحري الوطنية الصينية (CNOOC)، وشركة الصين للبترول (سينوبك)( CNPC) وهي أكبر مصفاة نفط في الصين، ومن الجدير بالذكر أن أهم المشاريع الصينية في افريقيا هو National Petroleum) ) في نيجيريا، كما قامت شركة النفط الوطنية الصينية مؤخراً بتطوير حقل Agadem   في النيجر، أما فرنسا فترى أن افريقيا أصبحت أرض صراع فرنسي أمريكي بعد أن كانت منطقة نفوذ فرنسي تقليدي ، إلا أن باريس ما تزال لها اليد الطولى في بعض الدول الأفريقية الغنية باليورانيوم مثل افريقيا الوسطى ، مالي، النيجر،  بدليل العمل الذي تمارسه شركة أريفا الفرنسية في أفريقيا والمُربح لجميع الأطراف ما عدا الأطراف الوطنية ، أما روسيا فالمعدات العسكرية هي واحدة من المزايا التنافسية لروسيا في افريقيا، وتعتبر تجارة الأسلحة هي جزء من إستراتيجية أوسع للحصول على الروابط الإقتصادية وبسط النفوذ في المنطقة ، فتجارة الأسلحة في حد ذاتها مُزدهرة لكنها يمكن أن تكون سبباً لترتيبات خارجية تسعى موسكو إلى فرضها، فقد وقعت مجموعة الغاز الروسية Gazprom مع شركة Nigerian National Petroleum Company ، إتفاقاً لإستخدام الغاز النيجيري، وأنشئت الشركتان مؤسسة مشتركة بالمناصفة أطلق عليها اسم (نيجاز/ Nigaz ) لإستخراج وإنتاج وتحويل وتسويق الغاز، كما تم إنشاء منتدى (الدول المصدرة للغاز) بتعاون نيجيري روسي عام 2009.
من المرجح نجاح الولايات المتحدة عسكرياً وسياسياً وثقافياً في أفريقيا، فالصين على الرغم من أنها أكبر دولة تجارية في أفريقيا مقارنة بالولايات المتحدة والغرب الا إنها لا تزال ضعيفة فهي تعتمد على القوة العسكرية الغربية لحماية مصالحها في مناطق متفرقة من افريقيا، وقد تجد الولايات المتحدة والغرب مجالات للتعاون مع الصين في افريقيا، ومن جانب أخر قد تتعاون روسيا و الصين مع أحد أهم القوى الأفريقية الصاعدة مثل (جمهورية جنوب أفريقيا) خاصة أن تلك الدول جميعها أعضاء في التكتل الإقتصادي الأقوى في العالم (البريكس)، لإضعاف المصالح والإستثمارات الأمريكية التي ما زالت متواضعة أمام الإستثمارات الصينية، وبالتالي لا يمكن أن تبقى أنقره بدون تحالف مع إحدى تلك القوى ولو بمستوى معين، خاصة أن أنقره تعلم أن القيادات السياسية في القارة الأفريقية وإن كانت مُتشبعه بطموح وطني تريد تحقيقه لشعوبها إلا أن إرادتها تبقى منقوصة ويمكن إجهاضها متى ما تصادمت مع مصالح القوى الدولية ، وبالتالي ستعمل تركيا على التحرك في أفريقيا بحذر وبخطوات مدروسة جيداً من غير أن تثير غضب القوى الدولية ، خاصة أن أنقرة تتطلع لإستضافة قمة التعاون التركي الأفريقي الثالثة بإسطنبول عام 2019، وتؤكد أنقره بإنها ستواصل مشاركة خبراتها التاريخية والإجتماعية والسياسية والثقافية وتقديم الفرص والإمكانات للدول الأفريقية.
السؤال هنا لماذا لا تتصالح المصالح العربية والخليجية في أفريقيا مع المصالح التركية بإعتبارها الأقرب ( ديناً وثقافة ) تمهيداً لفتح باب عربي في أفريقيا ظل مُغلقاً في وجه الأخوة الأفارقة لعقود ؟!!!
تبدو لي رؤية أنقره وشعبها لأفريقيا بكل ما تحتويه كرؤية الروائي البرازيلي الأشهر في أمريكا الجنوبية " أفونسو دي سانتا" عندما سألوه ذات يوم عن سر نجاح التجربة البرازيلية رغم بطئها فقال:" إنني في هذه الأرض أغادر القرن العشرين إلى عتبات قرن جديد رغم إني ما زلت أتنفس هواء القرن التاسع عشر ".

تم نشر المقال في صحيفة وموقع جديد بريس / jadidpresse في المملكة المغربية/ الرباط على الرابط التالي :
تم نشر المقال في مركز مجمع الأفارقة في جمهورية مصر العربية على الرابط التالي:

أمـــــينة العـــــريمـــــي
باحـــثة إمــاراتيـــة فــي الشــأن الأفــريقـــي
Afrogulfrelations_21@outlook.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق