الاثنين، 28 مارس 2016








"حــرب أفـريقيا العـالميـة الأولــى"
يبدو أن عنوان المقال مُثيراً ولكني لا أظن أنه أكثر إثارة ًمن التصريحات الأخيرة  لمُرشح الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب الذي دعى إلى إعادة إستعمار أفريقيا لمئة عام وكأن أفريقيا قارة بلا قادة وبلا شعب وبلا هوية بل وبلا وجود،  توقفت كثيراً قبل أن أفكر في سبب إطلاق مثل تلك التصريحات وفي هذا التوقيت بالذات ، وتصادف وجودي في إحدى العواصم الأفريقية ( أكرا ) ولمستُ مدى إستياء قطاع كبير من النخبة الأفريقية المُثقفة لمثل تلك التصريحات، وشهدتُ مدى الحنق والغضب حتى في صفحات الجرائد الرسمية الأفريقية الصادرة عشية إطلاق تلك التصريحات التي إعتبرها القادة الأفارقة "غير مسؤولة "، وقد طالت تلك التصريحات " الغير مسؤولة" العرب والمسلمين قبل الأفارقة، وصحيح أن ردة الفعل الإيجابية التي إتخذتها دولة الإمارات العربية المتحدة من جراء تلك التصريحات بإغلاق مجموعة ترامب وتعليق أعمالها في دولة الإمارات تعتبر خطوة جادة لوضع حد لتلك الشزوفرينيا السياسية في التعامل مع الأخر إلا أن ما يلوحُ بالأفق يُنذر بما هو أسوأ للعرب وللأفارقة وللمسلمين.
يرى الساسه الأمريكيون أن المشروع الأمريكي لعالم أحادي القطب لابد له من البحث عن أيديولوجية ثورية تملك طاقة إعادة إنتاج الحراك الأمريكي داخلياً وخارجياً، فهناك مُحددان يُشكلان المَعلم الأساسي للمُجتمع الأمريكي، الأول أنه مُجتمع مُهاجرين وبالتالي فهو مُجتمع يعيش حالة قلق وغموض الهوية بين هوية البلد الأم وبلد المهجر، والثاني الفلسفة الليبرالية المادية سواء كانت أوروبية المنشأ أم أمريكية المنشأ إلا أنها أوجدت حالة من السطحية في الهوية فلم يجد المهاجرون للولايات المتحدة إلى اليوم قاسماً مُشتركاً يتجاوز المنحى المادي المُشترك بين جميع البشر، وظهر هذا المُشترك المادي في مفهوم الحرية المؤطرة بالقانون الذي لا يحمي المُغفلين بدون قيم وبعيداً عن الأخلاق حينما يُريد ، فوجدت السياسة الأمريكية في أفكار الفيلسوف الألماني ( ليو شتراوس) إعادة لتثبيت موقعها تاريخياً وسياسياً ، فشتراوس كان ناشطاً في تيار الإصلاح الصهيوني وتأثر بالوجودية والعدمية ، كما كان لعامل الهجرة والتغرب هرباً من الإضطهاد الذي تعرض له اليهود في ألمانيا على يد هتلر الأثر الأكبر في أفكار شتراوس الذي يؤكد ويوصي على إتباع أسلوب الإزداوجية في الخطاب خاصة في العمل السياسي ، فالخطاب المزدوج من وجهة نظر شتراوس سيكون مُكثفاً وبالتالي ما يبدو هراءاً للأغلبية من الجمهور هو في الحقيقة يُمثل معاني سامية لأولئك الساسة " أولي الأمر" ، كما كان ينصح شتراوس جمهوره بأن لا يكتبوا إلا بالإنكليزية الملتوية الغامضة في التعبير، وهكذا تداخلت الذاتية مع الموضوعية في تشكيل مبادىء عمل المُحافظين الجدد في الولايات المتحدة الذين يشكلون اليوم قوة ضغط فاعلة ترى أن أكبر خطر على الولايات المتحدة لا يتأتى من تراجعها أمام الأعداء فحسب ولكن من خلال فشلها في الإيمان بفوقيتها وإتجهوا إلى تطبيقها في بناء القرن الواحد والعشرين.
رغم يقيني أن أفريقيا " جنوب الصحراء" تعيش منذ مؤتمر برلين أوما يسمى "بمؤتمر الكونغو" 1884-1885 الذي نظم الإستعمار الأوروبي والتجارة في أفريقيا إلى اليوم حالة أشبه بحرب عالمية جعلت الميدان الأفريقي وكأنه شأن أوروبي خالص وإستنزفت وما زالت تستنزف كل ما هو قيم في تلك القارة ، إلا أن تلك الحرب بقت مُستترة خلف إستقلال " شكلي "لمعظم الدول الأفريقية سرعان ما سُمع دوي صوتها بعد أن شهدت أفريقيا مداً أمريكياً واسعاً وسريعاً بدأ في عام 1991 وضمن بقاءه للقرن الواحد والعشرين بإطلاق مشروع القرن الأفريقي الكبير وتمديد قانون النمو والفرص في أفريقيا وتدشين المجلس الإستشاري الأفريقي وتعزيز قاعدة أفريكوم ، وشهدت فترة تسعينيات القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين تزايداً في نشوب النزاعات داخل الدول الأفريقية (جنوب الصحراء) ، فأفقياً نشبت نزاعات بين مختلف الكتل العرقية والثقافية داخل الأراضي القومية للدولة الواحدة وتبين ذلك في صراع الهوتو والتوتسي في روندا ، ورأسياً بين جماعات تشعر بالإقصاء والتهميش من السلطة المركزية وتبين ذلك من تجارب تمرد مجموعة "التواريج" في منطقة الساحل ، والنزاعات في حوض نهر مانو وجمهورية الكونغو الديموقراطية، والعديد من تلك النزاعات نشبت كحركات داخلية أو حروب أهلية، إنتشرت بعد ذلك بقصد أو بدون قصد إلى البلدان المجاورة أو إنتهى أمرها بنوع من التدخل أو التواطؤ من الدول المجاورة والقوميات العرقية عبر الحدود الدولية، وهنا بدأت الإدارة الأمريكية في العمل على منع  بعض الصراعات دون غيرها وعلى عكس عادتها وذلك بسبب  قربها من مناطق إستراتيجية لحقول النفط ، ووفقاً لهذه الرؤية شهدنا توقف صراعات مُعقدة ظلت مشتعلة لعقوداً طويلة منها الصراع بين أنغولا وحركة يونيتا في ابريل 2002 ، والسبب في تلك المبادرة الأمريكية هو نفط أنغولا الذي أصبح يمثل أهمية كبرى للإدارة الأمريكية، كما شهدنا إنفصال جنوب السودان 2011 عن شمال السودان وبرعاية أمريكية والسبب في ذلك الموارد الحيوية التي يتمتع بها جنوب السودان ، فالولايات المتحدة لم تكن ترى في أفريقيا جنوب الصحراء مصلحة إستراتيجية إلا بعد عام ١٩٩١وسقوط الإتحاد السوفيتي وظهور التنظيمات الإرهابية المتشددة والتي لها ولاءات خارجيه، أضف الى ذلك الإتجاه الأمريكي للنفط الأفريقي الذي لا يحتاج لسياسه نقديه موحده قد تضر بالمصالح الأمريكية وقربه الجغرافي من السواحل الشرقية للولايات المتحدة وعدم حاجته للتكرير لإنخفاض نسبة الكبريت فيه، كل تلك الأسباب كانت كفيله بإطلاق مشروع القرن الأفريقي الكبير والمجلس الإستشاري الأفريقي ومواققة الكونغرس الامريكي على تمديد قانون النمو والفرص في افريقيا لمدة عشر سنوات قادمة .
كوننا مواطنين خليجيين واعين بالتوقيت السياسي الذي نتحدث في إطاره ومُدركين تمام الإدراك لمحاذيره نؤكد أن العلم قادر على إحترام نفسه والترفع عن هوى السياسه ، فالولايات المتحدة بعد توصلت لإتفاق مع طهران خاص بمشروعها النووي، فمن المُرجح  إذن أن تتوصل لإتفاقية مع التنظيمات الإرهابيه مثل داعش في سوريا والعراق، وبوكو حرام في نيجيريا، والشباب المجاهدين في الصومال، وتوقيع أي إتفاق هو إعتراف ضمني بالطرف الأخر أو بمعنى أصح بقوة الطرف الأخر، وسنشهد قريباً نهاية زمن التعامل مع الإرهابيين في الخفاء ليظهر التعامل معهم في العلن وعلى مرأى ومسمع من الجميع مما يهدد الأمن القومي لدول الخليج العربي والدول العربية ، فإنتعاش سوق السلاح لابد أن يستمر ولا يهم بيد أي طرف يكون السلاح -الأضعف أو الأقوي، الشرعي أو المتمرد ، المهم أن لا يتوقف السوق، وستشهد أفريقيا جنوب الصحراء قريباً تحولات جذرية تكرس النواقص وتقتلع الإنتماء ،،،،،

تم نشر المقال في جريدة الفجر الإماراتية


أمــــينة الــعريمـــــــي
بـــــاحثة إمــــاراتــــية فـــي الــــشأن الأفـــريــقـــي








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق