"من مـــوسى أمـــييك بيــــك إلى مـــوزمبيــق"
موزمبيق ، جاء إسم ( موزمبيق ) تيمناً بإسم القائد الإسلامي
( موسى أمييك بيك) الذي وصل إلى تلك المنطقة بعد نجاح المسلمين في تأسيس ما يُعرف
بسلطنة كلوة الإسلامية على إمتداد السواحل الشرقية للقارة الأفريقية ، أما عاصمتها مابوتو تأسست
بشكلها الحديث عام 1876 وكان يطلق عليها
إسم ( الورنزوماكيز) في عام 1544 نسبة إلى تاجر برتغالى قيل أنه من قام بتأسيسها ، وقد أدى إنشاء خط سكة
حديد تصل إلى بريتوريا بجنوب أفريقيا إلى زيادة سكان المدينة.
ينتمي الشعب الموزمبيقي في عمومه
إلى عرقية ( البانتو ) المعروف عنهم القوة البدنية ، وتنظيمهم السياسي والعسكري
بشكل يتفوق على عرقية ( البشمن والهوتنتوت) اللذان كانت درجة تنظيمهم وطبيعة
إستقرارهم وأدواتهم البسيطة لا يمكن أن تجعلهم يستمرون في البقاء إلا في حالة غياب
أعداء أقوياء لا يكونون أفضل منهم تنظيماً وسلاحاً وبناءاً ، لقد كان على ( البشمن
والهوتنتوت) ألا يأملا بالإستمرار في السيطرة على مناطقهم في مواجهة غزاة متفوقين
مثل ( البانتو) ، فإستمرار وجود عرقية البانتو إلى اليوم في وسط وجنوب أفريقيا
يرجع إلى جمعهم بين الزراعه والرعي كما أن مستواهم المعيشي كان أعلى بقدر كبير من
إقتصاد أسلافهم لأنهم كانوا قادرين على إستخدام وصناعة الأدوات الحديدية التي كانت
بلا شك أفضل من الأدوات الحجرية والمصنوعه
من العظام التي كان يستخدمها ( البشمن والهوتنتوت)، وبهذه الكيفية إستطاع البانتو
تطهير الغابات والأحراش وزراعة الأرض بمساحات كبيرة، أضف إلى ذلك أسلحتهم الحديدية
مثل السهام الحديدية ذات البأس الشديد والتي تفوقت على أسلحة خصومهم ، وبمرور
الوقت ذابت العرقيات ( البشمن والهوتنتوت) في مجتمعات البانتو وعاشوا بينهم
وتزاوجوا معهم فكونوا شعب موزمبيق كما نراه اليوم.
وصل الإسلام إلى موزمبيق عبر قوافل التجار العرب القادمين
من اليمن وبالتحديد من مدينة ( حضرموت) ، و أسس المسلمون أثناء عصرهم الذهبي في
شرق أفريقيا ما يُعرف بسلطنة ( كلوة الإسلامية) التي إمتدت من السواحل الشرقية
لأفريقيا حتى مدينتي موزمبيق ووسوفالة وظل المسلمون يحكمونها حتى عام 1505 الذي
كان بداية الإستعمار البرتغالي لتلك المناطق وتم تدمير سلطنة كلوة الإسلامية
وأستمر الصراع قرنين من الزمان ونجح العرب والملسمون من هزيمة البرتغاليين في معظم
سواحل شرق أفريقيا إلا أن البرتغاليين تمسكوا بموزمبيق ودام إحتلالهم لها أربعة
قرون ونصف ، ومارس الإستعمار البرتغالي على المسلمين إستراتيجية تذويب الهوية ،
فالإحتلال البرتغالي الذي سيطر على موزمبيق أخذ على عاتقه مسؤولية تذويب هوية
المسلمين وذلك بإجبارهم على تغيير أسمائهم من أسماء عربية وإسلامية إلى أسماء تنال
رضا المستعمر كشرط للإلتحاق بالمدارس التي كانت تحت سيطرة وإشراف الكنيسة
الكاثوليكية، وكانت لتلك الإستراتيجية دور في تغيير الكثير من المسلمين ديانتهم
فيما عزف باقي السكان عن إلحاق أبنائهم بتلك المدارس ، وما ينبغي أن نؤكده أن وجود
الإسلام في موزمبيق سابق للمسيحية بنحو ألف عام وقبل حتى وصول المستعمر البرتغالي
إلى السواحل الموزمبيقية ، فبعد إنهيار الدولة الإسلامية في الأندلس تولى
البرتغاليين مسؤولية تتبع الإسلام في أي دولة لكسر شوكته وبدؤوا منذ ذلك الوقت
بتشكيل مستوطنات في السواحل الشرقية والجنوبية للقارة الأفريقية التي كانت يسيطر
عليها البحارة العرب والمسلمون وفي ظل التنافس العربي البرتغالي ربحت لشبونه
المعركة وقامت بطرد العرب من تلك المنطقة وفرضت الحصار على موزمبيق بحيث لا يدخلها
مسلم أياً كانت صفته بشكل ساهم في إضعاف الديانة الإسلامية ونشر البدع والأعمال
الشركية في صفوف المسلمين بإسم الإسلام، وبعد الإستقلال عام 1975 لم يتغير وضع
المسلمين بسبب قيام الحرب الأهلية بين الموالين للمستعمر القديم ( البرتغالي )
والدول الغربية وبين الراغبين بالتحالف مع ( الإتحاد السوفيتي ) والشيوعية ، وبعد
إنهيار الإتحاد السوفيتي نجحت موزمبيق في الوصول إلى مصالحة وطنية و نظام تعددي
يقود البلاد للسلام وأصبح المواطنون في موزمبيق جميعهم يخضعون لدستور يعتبر
المواطنة المرجعية الأهم ويؤمن بالتعددية السياسية ويحترم حرية الأديان فتحسنت
أحوال المسلمون هناك وقفزت نسبة المسلمين من 17% حتى وصلت إلى 60% وتجاوز عددهم
اليوم تسعة ملايين نسمه ويتركَّزون في المناطق والولايات الشمالية؛ مثل: تامبولا
وكانو دالجادو وزمبزيا ونياشا ، وتعتبر تلك المناطق أقل المناطق في موزمبيق إصابة
بمرض نقص المناعه المكتسبة ( الأيدز ) بسبب مراعاتها للتعاليم الإسلامية أضف إلى
ذلك وجود إذاعات إسلامية تحض السكان على التمسك بمبادىء الإسلام مثل إذاعتي ( صوت
الحق ، صوت الإسلام ) في مدينة تمبولا الناطقة بالبرتغالية ، إلا أن المسلمون ما
زالوا محاصرين بنوع من التخلف الإجتماعي والإقتصادي بسبب غياب التعليم الذي فرضه
عليهم المستعمر البرتغالي حتى لا يتحولوا إلى لاعبين في السياسة الداخلية لجمهورية
موزمبيق مما عزز سيطرة الموالين للثقافة البرتغالية وهيمنتهم على القرار السياسي
في تلك الدولة ، ومن الجدير بالذكر أن المستعمر البرتغالي كان يحرص على تطبيق
سياسة أن يكون في الإسرة الواحدة أكثر من دين فعلى سبيل المثال رئيس البرلمان
الموزمبيقي السابق ( مولومبوية ) والده مسلم وشقيق رئيس الجمهورية السابق ( ارما
ندو جييوزا) يعتنق الإسلام خلافاً لأخيه ، ومن الجدير بالذكر أن المنظمات العالمية
ما زالت تعمل إلى اليوم على إضعاف الإسلام في موزمبيق مثل منظمة فرونيتزر،
والرابطة الوطنية الإنجيلية، ومعهد زويمر لأبحاث التنصير، ومجمع التوراة العالمي،
ومجلس الكنيسة المسيحية الأمريكية ، وشهود ياهو، ومجلس الكنائس العالمي ، حيث
يُسيطِرون على جميع المرافق الخدمية من مستشفيات ومدارس ومخيمات للإيواء ،
مُستغلِّين غياب المنظمات الإغاثية الإسلامية لبُعدِ المسافة بين العالم الإسلامي
العربي وموزمبيق ، وحتى المؤسسات الإغاثية الإسلامية مثل رابطة العالم الإسلامي
فإنشطتها محدودة جدًّا ولا تتواءم مع الهموم والمشاكل المُعقَّدة ولا تقارن بـ 5%
من أنشطة المنظمات التنصيرية ، وحذر رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في موزمبيق ( الشيخُ أمين الدين محمد إبراهيم ) في حوار له
بتاريخ 22/3/2015 أن الجالية المسلمة في
مابوتو تعاني من إهمال وتجاهل عربي كما
حذر من خطورة سيطرة
بعض البعثات الدبلوماسية الأجنبية على النخب السياسية والإقتصادية وإكتسابها قاعدة
صلبة في موزمبيق ليست في صالح الأقلية المسلمة مطالباً بمزيد من الإهتمام العربي
والإسلامي حتى لا تغيب شمس الإسلام عن تلك البلاد حسب تعبيره، ويحاول المسلمون في موزمبيق اليوم
الحفاظ على الدعوة الإسلامية والتغلب على العراقيل التي يواجهها أبناء المسلمون في
التعليم فقاموا بإنشاء ما يسمى بمعاهد تربوية مثل ( معهد حمزه الإسلامي ، ومعهد
أنس بن مالك ) والتي تقوم بإعداد الطلاب المسلمين لمراحل التعليم الجامعي للإلتحاق
بعد ذلك بجامعة إسلامية خارج موزمبيق لعدم وجود جامعه إسلامية في البلاد .
أكبر تحدي يواجه المسلمون هناك هو ( نظام التعليم ) فنظام
التعليم السائد في موزمبيق يعتمد على الثقافة البرتغالية والغربية هذا فضلاً على
أنه ليس مجاني ، أما المدارس الخاصة فهي مرتفعة التكاليف أمام الوضع الإقتصادي
الضعيف للمسلمين هناك ، وهنا لابد لدول مجلس التعاون الخليجي من مضاعفة جهود رابطة
العالم الإسلامي والبنك الإسلامي للتنمية وتأسيس جامعات ومؤسسات تربوية
أكاديمية تحت إشراف الأزهر الشريف.
موزمبيق اليوم رغم نجاحها في خفض
نسبة التضخم وتنفيذ برامج إصلاحية شاملة
لتحقيق الإستقرار الإقتصادي بالإضافة إلى
مساعدات المانحين مثل الدنمارك والبرتغال والولايات المتحدة وأسبانيا وبلجيكا
والبرازيل ، وإجتهادها في دعم الإصلاحات المالية مثل إصلاح ودعم الخدمة الجمركية
والعمل بالضريبة المضافة القيمة ، وتنازل لشبونه عن ديونها المستحقة على مابوتو
البالغة 393.4 مليون دولار منذ الإستقلال حتى عام 2005 ، وموافقتها على إعادة
ملكية سد كاهورا باسا الخاص بالطاقة الكهرومائية إلى موزمبيق إلا أن المواطنون لا
يزالون يعيشون تحت خط الفقر ويلجؤون للعمل في مناجم التعدين في جمهورية جنوب
أفريقيا ومازالت تعيش مابوتو خللاً
تجارياً حتى بوجود مشروع ( موزال ) أكبر مشروع إستثماري أجنبي في موزمبيق لصهر
الألمنيوم ، وفي يناير من العام الحالي طلبت مابوتو قرضاً مالياً وهذه كانت المرة
الأولى منذ عشر سنوات التي تطلب فيها موزمبيق مساعدة مالية من صندوق النقد الدولي
، ورغم توقعات الصندوق بإرتفاع معدلات النمو في موزمبيق إلى
نسبة 8 % في الفترة 2017-2020 نظراً للتوقعات الإيجابية من الاستثمارات في قطاع
الصناعات الإستخراجية وتحديداً الغاز الطبيعي المسال ، وعلى الرغم من نظرة الصندوق
الإيجابية للنمو الاقتصادي لموباتو على المدى المتوسط إلا أن البيان يشير إلى أن
هذه الدولة الأفريقية تواجه عقبات على المدى القصير فهي تعاني من صدمة خارجية
مرتبطة بإنخفاض أسعار السلع وتدنياً في معدلات النمو عند الشركاء التجاريين ،
وتباطؤ في معدلات الإستثمار المرتبطة بمشاريع موارد طبيعية كبرى.
ما أثلج
صدري وأنا أخط قلمي في كتابة سطور هذا المقال هو إعلان بعض دول مجلس التعاون
الخليجي على عزمها ببدء التعاون التجاري والإستثماري مع جمهورية موزمبيق ، وأتمنى
أن تكون تلك بداية لفتح غرف تجارية وصناعية خليجية في مابوتو ، ولعل وعسى أن يكون
للعرب والمسلمون صفحة جديدة يسطرون فصولها في تلك المنطقة التي كانت في يوم من
الأيام تحتضن أمجادهم
تم نشر
المقال في الصحف التاليه :
تم نشر
المقال في مركز مجمع الأفارقة على الموقع التالي :
أمـــــــينة
الــــــــــعريــمـــي
باحــــثة إمــــاراتــــية فــــي
الشـــــأن الأفــــريقــــــي
Afrogulfrelations_21@outlook.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق