الخميس، 7 يناير 2016


أفريقيا كما ينبغي أن نراها " رؤية خليجية"


يقول بريمان/ الشاعر الكاريبي عن أفريقيا في قصيدته المشهورة You Better Believe it مخاطباً فيها أوروبا الإستعمارية " لقد صهرتُ الحديد في بلاد النوبه يوم كنتم أمماً تشق الأرض بالمحاريث الخشبيه، وسبكتُ النحاس في بنين يوم كانت لندن مستنقعات، وأصبحت تمبوكتوملاذاً للعلماء في زمان كان الرهابنه يرتجفون من البرد في أروقة اكسفورد".
تعددت الروايات حول أصل كلمة أفريقيا ، فهناك من يقول أن معناها "الكهف" في إشارة إلى أن الأفارقة كانوا يسكنون الكهوف،وهناك من يقول أن الإسم يعود إلى ملك من ملوك التبابعة القدماء "إفريقيس إبن المنار"،أما المصريين القدامى فأفريقيا عندهم تعني أرض الميلاد، في حين يرى اليهود أن أفريقيا تعود إلى "لافير" أحد أحفاد إبراهيم في العهد القديم كما تقول التوراه، أما اليونانيين فيقولون أن أفريقيا تعني" أرض البرودة والرعب".
تعتبرأفريقيا أقدم المناطق المأهوله بالسكان على وجه الأرض، فلم يقطنها أية أمة مستقرة وإنما سكنتها مجموعة من الصيادين يطلق عليهم "الخويسان" إحدى السلالات الأفريقية القديمة للإنسان الحديث وأكد علماء علم الإنسان إن تلك السلاله متمايزة جينياً مع جميع الأفارقة لأنها لم تختلط مع أي إثنية أفريقية منذ ما يزيد عن 150عاماً، والخويسان هو إصطلاح يطلقه علماء الأنثروبولوجيا على تجمع قبيلتي الخوي (هوتنيتوت) والسان (بوشمن) فإشتق الإسم من الخوي والسان ليصبح"الخويسان"، فبعد إنتهاء العصر الجليدي عاد الأفارقة إلى المرتفعات الداخلية بعد أن تحولت الصحراء إلى ربوع خضراء إلا أن المناخ الجاف الذي ساد عموم أفريقيا منذ 5000 سنه قبل الميلاد دفع الأفارقة إلى وادي النيل وقاموا بتأسيس ممالك عظيمة مثل الممالك النوبية والمرويه والفرعونية، وبسبب توجه الأفارقة إلى تربية الماشية وإستئناس العديد من الحيوانات إزدهرت الزراعه من بلاد النوبة إلى شمال القارة، ولكن تقلصت تلك الممالك بسبب جفاف المناخ وهاجر الأفارقة إلى مناطق أكثر إستوائية في غرب أفريقيا ،بعدها تغيرت أفريقيا بسبب إنتشار أعمال الحداده التي وصلت إلى جنوب وشمال القارة وأصبح تصنيع الأواني النحاسية أمراً شائعاً في عموم القارة ،مما يؤكد قوة شبكة التجارة التي كانت سائدة بين مختلف المجتمعات الأفريقية.
تاريخياً كانت أفريقيا قبل الإتصال بأوروبا خليطاً من جماعات وممالك أخذه في التطور والنمو وكانت هناك حركة للتاريخ ولم يكن التخلف الذي ألم بها بسبب الظروف الطبيعية أو من النماذج التاريخية الثقافية والديناميات الداخلية، ولكن كان للإتصال الأوروبي أثره في إنقطاع حركة التطور الإجتماعي وعدم النضج الطبقي الذي هو أساس حركة التطور في أي مجتمع، فالتكوينات الطبقية هي أساس القدرة على بناء هياكل سياسية متطورة وعادة ما تكون طبيعة النشاط الإقتصادي هي المسؤولة عن ذلك النضج الطبقي، ومع تأثير الإتصال الأوروبي السلبي على هذه الأبعاد نشأت حالة التخلف التي نراها في القارة الأفريقية اليوم، كما أن درجة التطور والتنمية التي كانت في أفريقيا قبل الإستعمار لم تُستخدم في بلورة الهياكل السياسية والإقتصادية لفائدة أبناء افريقيا وحسب بل كان لها تأثير في تنمية المجتمعات الغربية، وبذات القدر الذي أسهمت به أفريقيا في تطور وتنمية الغرب كان للأخير دوره في تخلف أفريقيا، وكانت أول خطوات الأوروبيين هي جعل الأفارقة لا يستطيعون التخلي عن السلع الأوروبية والتي كان يتم إستبدالها بأكثر المعادن ثمناً، وبعد أن تم إكتشاف العالم الجديد ومزارع قصب السكر بدأت الحاجة للأيدي العاملة وبدأت تجارة الرقيق التي كان لها أثار تدميرية على أفريقيا، ونجح الغرب في إيجاد الإنقسامات التي تضمن له إستمرارية تجارة الرق بل ونشأ الرق الداخلي لصالح الفئة التي كانت تخدم مصالح الإستعمار، ونجح الغرب بعد ذلك في إبتكار الوسائل والسياسات التي يحافظ من خلالها على أفريقيا في موقع التابع بعدما نجح في أن يجعل من الإستقلال الذي حصلت عليه الدول الأفريقية إستقلالاً شكلياً، بل وما زال هناك 14 بلدًا إفريقيّا يضع 85% من إحتياطاته الأجنبية في البنك المركزي الفرنسي كضريبة لفوائد الإستعمار، ويُسمح لتلك الدول بالوصول إلى 15% فقط وإذا إحتاجت تلك البلدان لمبالغ إضافية فعليهم إقتراضها من الـ 65% من أموالهم الخاصة في الخزانة الفرنسية وبأسعار تجارية، أما واشنطن فلم تكن أفريقيا تمثل مصلحة إستراتيجية لها قبل عام 1990، ولكن بعد بروز القوى الإسلامية في القرن الأفريقي وإرتباطها بقوى إسلامية خارجيه تم طرح ما يسمى بالقرن الأفريقي الكبير، وتأسيس المجلس الإستشاري الأفريقي،وإنشاء أفريكوم، تلا ذلك إصدار (African Oil Policy Initiative Group) كتاباً أبيض ينص على ضرورة إستبدال النفط الخليجي بالنفط الأفريقي خاصة بعد صدور تقاريرإقتصادية أمريكية تؤكد أنه بحلول عام 2020 ستحصد الولايات المتحدة ربع نفطها من أفريقيا ،أضف الى ذلك أن النفط الأفريقي له ميزات يتفوق بها على النفط الخليجي مثل، إنخفاض نسبة الكبريت مما يقلل عملية التكرير، وقرب السواحل الأفريقية من الساحل الشرقي للولايات المتحدة وهذا ما أعطى النفط الأفريقي ميزة القرب الجغرافي التي ينافس بها النفط الخليجي، كما أن الدول الأفريقية متمايزة عرقياً وثقافياً لا يضمها رابط ثقافي تاريخي مشترك مما يعيق تبنيها مستقبلاً لسياسة نفطية موحدة تجاه واشنطن والغرب، ومن هنا يمكن أن نفهم حرص واشنطن على تمديد قانون النمو والفرص في أفريقيا لمدة عشر سنوات مما سيوفر الضمانات اللازمة للإستثمارات الأمريكية طويلة الأجل، أما الصين فأسست ما يسمى بمنتدى التعاون الصيني الأفريقي- فوكاك- وبلغت قيمة الإستثمارات الصينية في أفريقيا 26 مليار دولار أمريكي، تدعمها الشركة النفطية الصينية العابره والحاملة لتفويض سياسي قوي (Petro China ) ما جعلها قاعدة جذبت إهتمام الدول الغنية بالنفط في أفريقيا.

أفريقيا كما ينبغي أن نراها " رؤية خليجية "
بما أن دول الخليج العربي تهدف إلى تهيئة إقتصادها لمزيد من التنافسية والإنفتاح من خلال تقوية بنيتها الأساسية وتطويرها لتلبية متطلبات النمو داخلها وإستيعاب حجم التحولات الجارية في الإقتصاد العالمي والإنتقال التدريجي للثقل الإقتصادي من الغرب إلى الشرق، فيمكن الإستفادة من الساحه الأفريقية، فنظراً لحاجة أفريقيا لنحو 93 مليار دولار سنوياً لتلبية إحتياجات البنية التحتية للقارة الأفريقية حتى عام 2020 فإن قطاع البنية التحتية أهم القطاعات التي يمكن التعاون فيها بين مجتمعي الأعمال الخليجي والأفريقي خاصة أن دول الخليج تتمتع بخبرة واسعة في مجال التنمية الإقتصادية وتطوير البنية التحتية، ومن جانب أخر، تظل أفريقيا هي القارة الأهم في مجال الإنتاج الزراعي والغذائي، حيث يمثل قطاع الزراعة أحد أهم القطاعات التي يمكن لدول الخليج النظر إليها لمعالجة مسألة الأمن الغذائي، كما يمكن إستثمارالموقع الجغرافي الخليجي كجسر بين أفريقيا والصين وذلك يتطلب تفعيل الهياكل المؤسسية وإقناع الشركات الإقتصادية الأفريقية بالتخطيط لإنشاء مراكز لها في دول الخليج حيث ستجد الكثيرمن المزايا الإيجابية من ناحية التكلفة بما في ذلك عدم وجود ضريبة على الشركات والدخل والطاقة الرخيصة، ومن المُفيد للشركات الخليجية أن تنظر إلى الخصائص الإستثمارية في الأسواق الأفريقية كل على حدة بدل من النظر إليها على أنها سوق واحدة ومتجانسة.

وأخيراً، لا أتمنى أن يكون مصير العلاقات الخليجيه الأفريقية مصير أجنحة إيكاريوس فكما تقول الميثولوجيا الأغريقية أن إيكاريوس فتى منحه والده ديدالوس جناحاً من الشمع ليطير به إلى الشمس فذاب الشمع بلفحة الشمس وهوى إيكاريوس إلى اليم وأختفى إلى الأبد.

تم نشر المقال في جريدة الخليج الاماراتية على الرابط التالي :

http://cutt.us/pHJ3


تم نشر المقال في جريدة الحصيلة الكويتيه على الرابط التالي :



أمــــــينة الـــــعريــــمي

بـــاحثة إمــــاراتــــية فـــي الـــشأن الأفـــريـــقي

Afrogulfrelations_21@outlook.com






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق