الاثنين، 11 يناير 2016



الســــــودان " أرض إلتـــــقاء الحيــــــاة"

اليوم سأغادر" مؤقتا" منصة التحليل السياسي في الشأن الأفريقي، وأتشرف بالوقوف لأحدثكم عن منصة العلم وقلب المعرفه ومنبع العزة، أرض الكرامة، أرض إلتقاء الحياة كما أسميتُها، أرض الإمام محمد المهدي مؤسس الدولة السودانية المستقله، وأرض الشهيد عثمان دقنه الذي عندما زاره الإمبراطور جورج الخامس ملك بريطانيا في زنزانته إنشغل عنه بالصلاة حتى لا يتحدث معه، أرض المُفكرين والعلماء، أرض بُناة نهضة الشعوب، أرض الوجوه الطيبه والنفوس الطاهره، أرض المحبة والسلام رغماً عن أعدائها ، " الســـــــــودان".

تضاربت الأقوال حول أصل إسم السودان، فالقدماء المصريون كانوا يطلقون عليها إسم ( تانهسو) وتعني أرض السُمر، أما ( خع سخموي) خامس وأخر فرعون في الأسرة المصرية القديمة فكان يطلق على السودان إسم (takene) وهي كلمة تعني في اللغة المصرية القديمة " أرض الأقواس"، كما أطلق على المنطقة الواقعه جنوب مصر إسم ( نحسيو /nehesyou) وأشتق منها لفظ "بانحس أو فنحاس" بمعنى النوبي، كما تسمت السودان بأسماء قبائل كانت تسكن تلك المنطقة مثل (كالواوات/uaouat) و (يام /yam) و (مجا/medja)، و(كاو/kaou)، أما العرب  فأطلقوا على السودانيين إسم (رماة الحدق) بعد هزيمة جيشهم بقيادة (عبدالله بن أبي السرح) الذي غزا السودان فتصدى له جنود النوبه الذين عُرف عنهم قوتهم وبراعتهم في تصويب الرماح نحو حدقة العين مباشرة، بالإضافة إلى أن بعض المصادر تقول أن العرب أطلقوا على السودان أيضاً إسم (الكنز) لتدل على مضمونها العربي بمعنى المال والذهب لترادف ثروة المنطقة.

توجهت بي طائرة طيران الإتحاد إلى العاصمة السودانية الخرطوم لأول مره في حياتي في شتاء عام 2009، كانت الرحلة هادئة والطائرة شبه فارغة من الركاب ولم يكن معي في تلك الرحلة ما يؤنس وحدتي ويطوي عني مشقة السفر إلا كتاب لمستُ في عنوانه شيء من الإثارة والتشويق أقنعني بإنه سيؤدي دوره في كسر رتابة الرحلة وكان حدسي في محله فكان لي نعم المؤنس، وما إن أنهيت قراءتي حتى جاءني صوت المُضيفة من خلفي تطلب مني ربط حزام الأمان إستعداداً للهبوط إلى مطار الخرطوم الدولي، وما إن فتحت النافذه الواقعه على يساري وبدأتُ أحدق من الجو في عاصمة المهدي وسرحت بفكري الذي خيل لي حينها بوجود وحوشٌ ضارية تفترس كل من يقترب منها، إنتابني في تلك اللحظة شعور المتولي يوم الزحف ولكن هيهات أن يغادر أرض المعركة، هبطت الطائرة بسلام إلى مطار الخرطوم وغادرت مقعدي مُتثاقلة ومتوترة بعض الشيء وودتُ لو أعود أدراجي، وما إن وصلتُ لصالة الوصول حتى كان في إستقبالي مندوب سفارة دولة الإمارات في الخرطوم الذي ما إن عرفني بنفسه حتى هديت من روعي، وفي صباح اليوم التالي تم الإنتهاء من إجراءاتي الرسمية إستعداداً للإلتحاق بقلعة العلم جامعة النيلين، وما إن مضى شهران على وجودي في السودان حتى بدأت أتعرف على أهله وعلى ملامح ذلك البلد فكانت نقطة التحول الحقيقية في حياتي ولم أعد بعدها كما كنتُ أبداً.
وجدت أرض المقرن أجمل بكثير مما كانت تصوره بعض أجهزة الإعلام العالمية على عكس ذلك، وجدت السودان صارماً حازماً تارة ورقيقاً دافئاً تارة أخرى، وجدته أشبه برجل صادق يمتلك كل صفات الرجولة الحقيقية ولكنه لا يُصرح بها ليقينه أن الرجوله تتحدث بأفعالها لا بأقوالها فوقعتُ أنا في أسره، وجدت أرض رماة الحدق أصدق وأعمق وأكبر مما يمكن أن أخطه اليوم في سطور مقال، وجدتُ أهل السودان يُسابقون الزمن للحصول على المعرفة ويتحدون كافة الظروف للوصول إلى النجاح، وجدتهم شعب لا يقبل المساس والجدل في تاريخ بلادهم وهويتها وتُراثها الغني عن التعريف ولا يلتفتون لمن يريد لهم التقهقر، وجدتهم أنقياء كرماء تجمعهم الصلاة لرب العباد ويخشون أن تفرقهم السياسة .
من السودان تعلمت ومن علمائها نهلت ومن مفكريها أدركتُ قيمة العلم، ودائماً وأبداً أذكر نفسي ومن حولي وفي كل مناسبة أنه لولا السودان ولولا الأساتذه السودانيين الأجلاء ما كنت لأكون ، وأسمحوا لي أن أذكرهم بالإسم فهؤلاء هم القاعدة الثابته التي أرتكز عليها للأبد :
البرفيسور الفاضل / حسن الساعوري، البروفيسور الفاضل / محمود الداني، الدكتور الفاضل / مصعب عبد القادر، الدكتور الفاضل / مرتضى الطاهر، الدكتور الفاضل/ الطاهر الفادني ، الدكتور الفاضل / بهاء الدين مكاوي، الدكتور الفاضل / أسامة زين العابدين، الدكتور الفاضل / محمد مجذوب، الدكتورة الفاضلة / رحاب عبد الحي.
يتداخل تاريخ السودان القديم مع تاريخ مصر الفرعونية ، فالمؤرخ اليوناني (ديودورس الصقلي) كتب في موسوعته (Bibliotheca historica ) التي تعود إلى عام 60-57  قبل الميلاد أن الإنسان إستوطن في السودان منذ خمسة الأف سنة، وعرفت أرض السودان العديد من الممالك مثل الممالك النوبية ( مملكة كوش) التي تم تعريفها في اليونسكو بأنها قوة عظمى بين القرنين الرابع والثامن قبل الميلاد، والتي كانت موطناً لثلاثة ممالك، مملكة كرمة ومملكة نبته ، وأخرها مملكة مروي، التي إشتهرت بالتعدين وتشييد الأهرامات وهي التي أرست نظم الإدارة في القرن السادس قبل الميلاد، وبعد إندثار تلك الحضارة قامت الممالك المسيحية في القرن السادس الميلادي، مثل مملكة ( المقره /makuria) وعاصمتها دنقلا، وعرف عنها قوة بأسها فقد نجحت في صد الجيوش العربية وأجبرتهم على توقيع معاهدة (بقط) لضمان التعايش السلمي ونجحت في الإحتفاظ بتراثها الإنساني السوداني لما يقارب الألف عام والتي ما زالت موجودة في المتاحف السودانية، ومملكة (علوة /allodia) وعاصمتها سوبا، ومملكة (نبته/ Napata) وعاصمتها فرس، والتي تأسست على يد الملك النوبي كاشتا ، وكاشتا يعنى الكوشي منسوباً إلى مملكة كوش، ومن الجدير بالذكر أن المسيحية دخلت السودان في عهد الإمبراطور الروماني (جستنيان الأول) الذي تزوج من ممثلة الأفلام الصامته وغازلة الصوف (ثيودورا) التي نجحت في إقناع زوجها بمواجهة المتمردين في ثورة نيكا عام 532 ميلادي، وقالت كلمتها المأثورة " في وقت الحرب لا يوجد هناك وقت لمناقشة مسألة هل على المرأه أن تسكت إذا ما تحدث الرجال أم لا،و ليس من اللائق على من أصبح إمبراطوراً أن يسمى بعد ذلك هارباً، والأن إن شئت أن تنجو بنفسك فليس ذلك صعبا ولا شيء يمنعك فالمال وفير والبحر وسيع والسفن كثيره على الشاطئ أما أنا فإنى سأتمسك بالقول القديم أن العباءة الإمبراطورية خير الأكفان"، وكانت تلك الكلمات المدوية التي وقعت على سمع الإمبراطور (جستيان) كفيلة بأن تسلحه ليربح معركته فكان له النصر.

بعد ضعف الممالك المسيحية وتراجع نفوذها تدفقت الهجرات العربية الإسلامية على أرض السودان وقامت ممالك وسلطنات إسلامية مثل، مملكة المسبعات في كردفان، ومملكة الفونج أو السلطنة الزرقاء، وسلطنة الفور في غرب السودان، ومملكة تقلي في جبال النوبة، بعدها خضعت السودان لما يعرف بفترة الحكم التركي فقامت ثورة شعبية بقيادة محمد المهدي ونجحت في تحرير السودان 1885 وأقامت دولة المهدية التي تم إسقاطها عام 1898 في معركة كرري، وبعدها خضع السودان للإستعمار حتى أعلن إستقلاله في الأول من يناير عام 1956.

تأرجحت السودان منذ إستقلالها بين صراعات سياسية قبلية إقتصادية  أذكتها التدخلات الخارجية بدءاً بمشكلة الجنوب وليس إنتهاءاً بدارفور، والتي أفضت إلى تعرض الخرطوم لعقوبات دولية أفقدتها القدرة على الإستمرار في التنمية مما جعل السودان يعيش في حلقة من عدم الإستقرار السياسي والإقتصادي .

بما أن دول الخليج العربي وجمهورية السودان إتفقا مؤخراً على التعاون ونبذ الخلافات الجانبية وتقديراً لموقف السودان من عاصفة الحزم وإلتزامها بالوقوف بجانب دول مجلس التعاون الخليجي فيمكن لدول الخليج العربي أن تدعم الإقتصاد السوداني وذلك بعمل الأتي :

·       التقريب بين السودان ومحيطه العربي والإستفادة من الأهمية الجيوسياسية للسودان.

·       دعم عمل شركة موانىء دبي العالمية للإستثمار في الموانىء السودانية.

·       تفعيل وإبراز دور مؤسسات التفاعل الخليجي الأفريقي مثل منظمة المؤتمر الإسلامي بإعتبارها أحد أهم منظمات التنسيق الخليجي الأفريقي، والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية العاملة على الساحة الافريقية،

·       تطوير "إستراتيجية خليجية خاصة" لتعزيز العلاقات السياسيه والإقتصاديه بين دول الخليج وجمهورية السودان، يتم فيها تحديد المهام والإختصاصات ودور القطاعين الحكومي والخاص في تلك الإستراتيجية.

·       لابد لدول الخليج العربي من الحرص على حضور وفد خليجي يمثلها في "مؤتمر المواطن الإفريقي" الذي يُركز على خلق فرص العمل والمشاريع في إفريقيا خاصة أن دول الخليج العربي معظمها أعضاء بصفة مراقب في الإتحاد الأفريقي.

·       بعد إندماج الكوميسا مع التكتلات الاقتصادية الأفريقية ( الساداك وشرق أفريقيا) وإعلان منطقة التبادل الحر ثلاثية الأطراف في يونيو 2015 يمكن لدول الخليج آن تنضم إلى مثل تلك التكتلات الاقتصادية بما تقتضيه مصلحة الطرافين خاصة بعد حصول بعض دول الخليج على عضوية مراقب في الاتحاد الأفريقي . 
وأخيراً،، أشكر القدر لإعطائي تلك الفرصة التي أعدت فيها إكتشاف نفسي، ولا يسعني في هذه اللحظة إلا أن أشكر كل لحظة جمعتني بالسودان وأهله وبمعدنهم الثمين، شكراً للسودان حكومة وشعباً ، شكراً لهم جميعاً.

 تم نشر المقال في جريدة الفجر الاماراتية على الرابط التالي :
تم نشر المقال في موقع الراكوبة السودانية على الرابط التالي :

 http://www.alrakoba.net/news-action-show-id-221570.htm

أمــــينة الـــعريـــمـي
باحـــــثة إماراتــــية فــي الــشأن الأفـــريقـي
Afrogulfrelations_21@outlook.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق