السبت، 14 أبريل 2018


الـعلاقـات الخـليجيـة الأفـريقيـة 
  قال لي مستشار البرلمان النيجري أن الأزمة الخليجية  أثرت على العلاقات الخليجية الأفريقية وعلينا كأفارقة ، فقلتُ له سأتحدث معك بلسان مواطنة خليجية أحزنها ما حدث وسيحدث مُستقبلاً بسبب هذه الأزمة المؤسفة التي قضت على ما تبقى من أخلاق كنا نؤمن بها

يرجع تاريخ العلاقات الخليجية الأفريقية إلى ما قبل الإسلام ، حيث عرف سكان شبة الجزيرة العربية بلاد الأفريق عندما أسس عرب اليمن أو ما يُطلق عليهم حينها "السلالة السليمانية"* مملكة أكسوم عام 325 قبل الميلاد، وكانت هذه المملكة من أقوى الحضارات الأفريقية وكانت تجارتها ضمن نطاق شبة الجزيرة العربية، وبعد إنتشار الإسلام بدأت العلاقات بين بلاد الأفريق وشبة الجزيرة العربية تأخذ منحى أكثر عُمقاً وحملت تلك المرحلة من العلاقات دلالات أصبحت ماثلة وخالدة في عين التاريخ بدءاً بزيارة ملك أفريقيا الأول كانجا مانسا موسى للجزيرة العربية عام 1324م مروراً بإقامة العالم الأفريقي الشيخ عمر الفوتي في الجزيرة العربية لمدة عشرون عاماً وإنتهاءاً بقوافل علماء أفريقيا الذين هاجروا من أقصى الغرب الأفريقي إلى شبة الجزيرة العربية هرباً من بطش الإستعمارالأوروبي الذي جاء بعد مؤتمر برلين أو ما يسمى بمؤتمر الكونغو 1884-1885م، ويجب هنا التفريق بين مؤتمر برلين الذي نظم الإستعمار والتجارة في أفريقيا وبين مؤتمر برلين 1878م الذي أعاد صياغة معاهدة سان ستيفانو الشهيرة.
نالت دول الخليج العربي* إستقلالها في نفس الحقبة التاريخية التي نالت فيها أغلب الدول الأفريقية إستقلالها وهي في ستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي وبدأت العلاقات بين الجانبين تأخذ طابعاً حداثياً تتبادل وتتعاون فيه الدول في شتى المجالات الدبلوماسية والإقتصادية إلا أن التعاون بين الجانبان ظل متواضعاً طيلة العقود الماضية ولم تتعزز العلاقات الخليجية الأفريقية إلا مُؤخراً.    
تُدرك دول مجلس التعاون الخليجي اليوم أن حضورها الإقتصادي في أفريقيا يتفوق على حضورها السياسي ويرجع السبب في ذلك إلى عدة عوامل أهمها :عدم الإستقرار السياسي لبعض الدول الأفريقية، وبروز الصورة  السلبية والمغلوطة والغيرعادلة في الذهن الخليجي عن الدول الأفريقية مما أعاق العمل السياسي الخليجي في الساحة الأفريقية، فالسياسة الخليجية وإن كانت قد نجحت إلى حد ما في تدشين بعض المشاريع التجارية والإستثمارية في بعض الدول الأفريقية وعملت على خلق فرص عمل والذي ساعد بلا شك في إنعاش جزئي لتلك الدول إقتصادياً إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي لم توظف تفوقها الإستثماري والإقتصادي بما يخدم مصالحها السياسية إلا بعد أن وجدت نفسها على خط المواجهة العسكرية مع طهران في جنوب الجزيرة العربية القريبة من السواحل الشرقية للقارة الأفريقية، أضف إلى ذلك الشك الذي بدأ يساور الشارع الخليجي بعد تأسيس واشنطن ما يسمى بالمجلس الإستشاري الأفريقي، وتمديد قانون النمو والفرص لعشر سنوات، وإنشاء القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا عام2007م والتي أطلق عليها (أفريكوم/USAFRICOM)، وإصدار كتاباً حمل عنوان “African Oil Policy Initiative Group” والذي يؤكد على ضرورة إستبدال النفط الخليجي بالنفط الأفريقي خاصة بعد صدور تقاريرإقتصادية أمريكية تؤكد أنه بحلول عام 2020 ستحصد الولايات المتحدة ربع نفطها من أفريقيا، هذا بالإضافة إلى تميز النفط الأفريقي بمميزات يتفوق بها على النفط الخليجي مثل: إنخفاض نسبة الكبريت مما يقلل عملية التكرير، وقرب السواحل الأفريقية من السواحل الشرقية للولايات المتحدة وهذا ما أعطى النفط الأفريقي ميزة القرب الجغرافي التي ينافس بها النفط الخليجي، ويبقى السؤال هنا هل ستتحول العلاقات الخليجية الأفريقية مُستقبلاً من التعاون اليوم إلى التنافس غداً؟
كيف يمكن تعزيز العلاقات الخليجية الأفريقية ؟
·       البدء بتأسيس تكتل إقتصادي يضم دول الخليج العربي وبعض القوى الأفريقية الصاعدة مثل أثيوبيا، نيجيريا، جنوب أفريقيا، وسيكون لهذا التكتل نتائج إيجابية فقد تتقارب وجهات النظر المغربية-الأفريقية بشأن ملف الصحراء الغربية وإقناع بعض الدول الأفريقية بسحب الإعتراف من الجمهورية العربية الصحراوية ومن ناحية أخرى يمكن لدول الخليج تحجيم النفوذ الإيراني في أفريقيا.
·       دعم عمل صندوق أبوظبي للتنمية في مشاريع الطاقة المُتجددة في أفريقيا كتلك التي تم دعمها في السيراليون عام 2014.
·       تأسيس معاهد ومراكز خاصة بالدراسات الأفريقية في دول الخليج لتقريب وجهات النظر والعمل على قراءة أفريقيا بشكل مُستقبلي .
·       دعم المملكة العربية السعودية في برنامج إصدار الصكوك الإسلامية في أفريقيا لإنعاش الإقتصاد الأفريقي من ناحية والمُحافظة على الأموال الخليجية من أي إبتزاز سياسي/ إقتصادي مُستقبلي من ناحية أخرى.
·       العمل على إنجاح مشروع جسر اليمن – جيبوتي الذي سيُعزز التبادل التجاري بين دول القرن الأفريقي ودول الخليج العربي.


* السلالة السليمانية ترجع إلى الملك سليمان (نبي الله سليمان) وملكة سبأ.


نشر المقال في جريدة البيان الإماراتية



د.أمينــة العريمــي
باحثة إماراتية في الشـأن الأفريقـي
@gulf_afro











الثلاثاء، 27 مارس 2018


            ندوة العلاقات الخليجية الأفريقية في جمهورية النيجر



على هامش ندوة العلاقات الخليجية الافريقية التي ألقيتها في جمهورية النيجر تحت إشراف برلمان النيجر الموقر الذي أشكره على دعوته الكريمة لي وعلى كرم ضيافته التي أعادت إلى ذهني نماذج الكرم الطائي التي كنت أعتقد أنه إندثر بإندثار تلك الكتب القديمة التي لا تكاد تقرأ أو يسمع عنها منذ زمن بعيد، وأسعدني في تلك الندوة أن ألتقي بالأخ العزيز والمعلم الجليل الدكتور القاديري وحديث حول زيارة الرئيس الايراني الأسبق أحمدي نجاد للنيجر وإندهاشه من الموارد الحيوية التي تتمتع بها جمهورية النيجر.
قبل سفري إلى العاصمة النيجرية نيامي كنت قد كتبت دراسة علمية عن جمهورية النيجر تحت عنوان " النيجر من مملكة كانم برنو إلى مملكة اليورانيوم" قدمتها إلى الصحافة الإماراتية في عام 2016 وتمت ترجمتها إلى اللغة الفرنسية والانكليزية في المركز الأفريقي للدراسات عام 2017، وتناولت فيها علاقة دولة الإمارات العربية المتحدة وشقيقاتها الخليجيات بجمهورية النيجر وكيفية تعزيز العلاقات مع هذه الدولة التي أراها دولة " محورية" في الغرب الأفريقي رغم عدم قناعة البعض بذلك، وفي ندوتي الأخيرة عن العلاقات الخليجية الافريقية تناولت أهمية النيجر بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي بعد التطورات الأخيرة في غرب القارة الأفريقية والتي طالت المصالح الخليجية دون غيرها.

* ملاحظة يمكن الضغط على الفيديو أعلاه للإستماع إلى الدكتور القاديري وشهادته على زيارة الرئيس الإيراني الأسبق للنيجر 

د.أمينة العريمي
باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
@gulf_afro


الاثنين، 12 مارس 2018


حاكم مُسلم في أثيوبيا ، كيف سيُقرأ خليجياً ؟
المرشح الرئاسي الاثيوبي القادم أبي أحمد 
في طريق عودتي من إحدى عواصم الغرب الأفريقي إلى العاصمة الأثيوبية أديس أبابا إستوقفتني كافة الصحف الأفريقية والدولية التي مُلئت صفحاتها الأولى بصور الدكتور "ابي أحمد" رئيس حزب منظمة أرومو الديموقراطية الشعبية ورئيس حزب الإئتلاف الحاكم الذي يُطلق عليه (الجبهة الديموقراطية الثورية للشعوب الأثيوبية) والذي يضم "الحركة الديموقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا" و"الحركة الديموقراطية لقومية أمهرا" و"جبهة تحرير شعب التيقري" و" الجبهة الديموقراطية لشعب الارومو"، وجميع تلك الصحف تؤكد على أنه الرئيس القادم لأثيوبيا جديدة، وبدأت أسأل نفسي حينها عن وصول حاكم مُسلم في دولة بحجم الدولة الأثيوبية كيف سيُقرأ خليجياً في ظل الأزمة الخليجية الراهنة التي لم ترواح مكانها بعد؟
نجحت اثيوبيا منذ القدم في الحفاظ على نفسها ككيان واحد بدليل تغلبها على أحد أهم الجيوش الأوروبية في ذلك الوقت "الجيش الإيطالي" في فارقة لم تتكرر في أرض أفريقية إلا أنها لم تستطع أن تستمر في تحقيق المُصالحة الوطنية الحقيقية على أراضيها بعد رحيل الرئيس "ميليس زناوي" الذي يشهد له الأثيوبيون بالكثير من الإنجازات وأهمها تعزيز ودعم الوحدة الوطنية، أما اليوم يعاني المسلمون وبالتحديد عرقية الأرومو من التهميش السياسي والإعتقال ومُصادرة الأراضي، ويتهم المسلمون السلطات الأثيوبية بإنتاج برامج إعلامية تستهدف الإسلام على الرغم من تأكيد الدستور الأثيوبي على عدم التدخل في المُمارسات الدينية التي يمارسها المواطنون، لم تهدأ اثيوبيا منذ إندلاع الإضطرابات في إقليم الأرومو حتى مع الإفراج الأخير لقادة الحراك الشعبي الأثيوبي وعلى رأسهم زعيم حزب الأرومو المُعارض "ميريرا جودينا" بل إزداد حدة مما دفع الرئيس السابق هيايلي ميريام ديسالين إلى الإستقالة وفرض إعلان حالة الطوارىء في البلاد، ومن الجدير بالذكر أن إقليم الأرومو ليس هو الوحيد الذي يشهد إضطرابات شعبية ولكن هناك مناطق أخرى مثل : بهاردار وكوندر التابعة لعرقية " الأمهرا" ، كما أن هناك عرقية " القورقي" القريبة من منطقة كوندر والتي تبدو إحتجاجاتهم أخف حدة من إحتجاجات عرقية الأرومو والأمهرا .
حاكم مسلم في أثيوبيا ، كيف سيُقرأ خليجياً ؟
تُدرك دول الخليج العربي مُجتمعة أهمية الدولة الأثيوبية في أفريقيا ومُراهنة القوى الدولية والمجتمع الدولي على الدور الذي تلعبه أديس أبابا في منطقة القرن الافريقي ناهيك عن باقي الدول الأفريقية، ولكن الموقف الحيادي الذي إلتزمت به أديس أبابا من الأزمة الخليجية وإعلان رئيس الإتحاد الأفريقي السيد ألفا كوندي من مقر الإتحاد الأفريقي في أديس أبابا "حيادية" الإتحاد الأفريقي من الأزمة الخليجية، وإستمرار الإحتجاجات الشعبية في بعض الأقاليم الأثيويبة، وإستقالة الرئيس هايلي ميريالم ديسالين، وإعلان حالة الطوارىء في البلاد، والحديث عن وصول رئيس شاب إلى سدة الحكم في أثيوبيا كلها أمور لم تمر مرور الكرام على عموم العواصم الخليجية، كما أن ترديد الشارع الأثيوبي لموضوع نسبة العاملين في الأجهزة الأمنية الأثيوبية العليا من عرقية التيقراي وعدم السماح للعرقيات الأخرى مثل ( الأرومو، الأمهرا، القورقي، السلطي،عفر، الهرر، وغيرهم ) من ذلك الحق فهم موزعين على الوظائف الأدنى أو تلك الوظائف التي تمنعهم من معرفة أسرار الدولة العميقة، وهذه المعلومات يُدركها صانع القرار السياسي الخليجي جيداً مثلما يُدرك أن هناك أكثر من ثمانون عرقية أثيوبية مُختلفة تعيش في أثيوبيا والتي بالطبع لم تنال حقها بعد من المُشاركة السياسية، كما أن أزمة العلاقات الأثيوبية الأرتيرية وأسرارها القديمة والتي بدأت تتكشف حقائقها اليوم من الممكن أن يستفيد منها أطراف وجدوا في تأجيج تلك الأزمة مصلحة لهم.
لا أرى أن ديانة الرئيس الأثيوبي القادم سواء كان "مُسلماً" أو "غير مُسلم" سيكون لها تأثير كبيرعلى السياسة الخارجية الخليجية تجاه أثيوبيا، ولا أعتقد أن الوضع في أثيوبيا سيختلف حتى بقدوم حاكم "مسلم" خلفاً للرئيس المستقيل هيريالم ديسالين وكل الذي ستعمل عليه أديس أبابا الأن هو محاولة الوصول إلى مُصالحة وطنية وحل توافقي تنهي به حالة الطوارىء المفروضة على البلاد منذ فترة ليست بالقصيرة، والعمل على إفتتاح سد النهضة الأثيوبي، وعدم فتح جبهة قتال على حدودها مع أرتيريا.
السيناريوهات المُحتملة في اثيوبيا :
السيناريو الأول : التأثير على الحكومة الأثيوبية الجديدة لتغيير موقفها من الأزمة الخليجية، ستحاول أطراف الأزمة الخليجية كسب الرئيس الأثيوبي القادم وحكومته إلى صفها ولكن لا أرجح نجاح أحد الأطراف في ذلك وذلك بسبب المكانة الدولية للدولة الأثيوبية التي تمنعها حالياً وستمنعُها مُستقبلاً من الإنحياز لطرف دون أخر وبالتالي سيكون الحياد سيد الموقف، وهذا الحياد بالطبع سينعكس على تعزيز التقارب الأثيوبي السوداني التركي من ناحية وتعزيز التقارب الأرتيري المصري وبعض أطراف الأزمة الخليجية من ناحية أخرى.
السيناريو الثاني : دعم الحراك الأثيوبي الشعبي، قد تدعم بعض أطراف الأزمة الخليجية ومعها القاهرة الحراك الشعبي في أثيوبيا وقد يتعاون قادة الحراك الشعبي مع عناصر من القاعدة أو المنظمات الإرهابية لإسقاط الحكومة الأثيوبية ولكن أرى بأن هذا السيناريو مع إحتمالية وقوعه إلا أن القوى الدولية لن تسمح به، وإن إفترضنا جدلاً سماح القوى الدولية بإذكاء نار الإضطرابات الأثيوبية بإدخال عناصر من داعش والقاعدة فهو وبكل تأكيد سيكون لتحقيق إستراتيجية تراها واشنطن في صالحها وليس في صالح أطراف الأزمة الخليجية.
السيناريو الثالث : الضغط على جيبوتي ، قد تستخدم أحد أطراف الأزمة الخليجية كرت ميناء جيبوتي للضغط على أثيوبيا التي تعتمد على ميناء جيبوتي بشكل كامل وفي حالة حدوث هذا السيناريو الذي سيُشكل صدمة قوية للإقتصاد الأثيوبي إلا أنه من المرجح إمتصاص أديس ابابا لتلك الصدمة وتفعيلها للإتفاق الذي أبرمته مع الخرطوم والذي يقضي بإنشاء ميناء خاص لها على أرض سودانية بإيجار مدفوع الثمن لمدة خمسون عاماً تزاول أثيوبيا من خلاله أنشطتها التصديرية والإستيرادية، وقد تستخدمه أثيوبيا مُستقبلاً لأغراض عسكرية، ومن الجدير بالذكر أن الخرطوم سمحت لأديس أبابا من قبل بإستخدام ميناء بورتسودان لإستيراد وتصدير البضائع.
التوصيات
-         إيجاد حل سريع للأزمة الخليجية بفتح القنوات الدبلوماسية وإيقاف كافة البرامج التلفزيونية والإذاعية التي يتبادل فيها أطراف الأزمة الخليجية الإتهامات.
-         العمل على تأسيس العلاقات الخليجية الأفريقية وفق المصالح المتبادلة والتأكيد على مبدأ الشراكة الحقيقية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأفريقية.
-         البدء بإفتتاح مراكز بحثية أفريقية في كافة العواصم الخليجية والعمل على إعادة قراءة أفريقيا عن كثب والتقرب لشعوبها وفهم حقيقة ما يجري قبل الخوض في معارك لا طائل من ورائها إلا مزيداً من التشتت.

مقال مقدم لمركز مقديشو للبحوث والدراسات الاستراتيجية والمركز الافريقي للدراسات يمكن مراجعته على الرابط التالي:

د. أمينة العريمي
باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
@gulf_afro

السبت، 17 فبراير 2018



في ضيافة البرلمان النيجري

سعدت بالحديث مع البروفيسور Mme Kaza مستشارة التعليم العالي النيجري التي أكدت لي على حرص مجتمعها على التواصل مع المجتمعات الخليجية والعربية خاصة أن الثقافة الإسلامية في النيجر هي السائدة 

أشكر الدكتور محمد جيرو مستشار البرلمان النيجري وجميع أعضاء حكومة جمهورية النيجر على دعوتهم الكريمة وكرم ضيافتهم





بدعوة من مستشار البرلمان النيجري الدكتور محمد جيرو قمنا بزيارة جمهورية النيجر للإطلاع على سير العمل النقابي والتعليمي فيها، وفي لقاء مع مستشارة التعليم العالي والبحث العلمي النيجري السيدة   Mme Kaza  أكثر ما لفت نظري هو حجم التنافس بين المدارس العربية والإيرانية والتركية والفرنسية ومؤخراً الصينية، كما وقفتُ على حركة الأحزاب السياسية الموالية والمُعارضة للنظام الحاكم التي تراها النخبة المثقفة في نيامي بأنها أداة في يد باريس تديرها كيفما تشاء وكانت لي مداخلة  حول هذه النقطة مع مستشار البرلمان النيجري الدكتور محمد جيرو الذي خصص لي مشكوراً ندوة علمية خاصة عن أهمية العلاقات الخليجية الأفريقية في الجامعة التي يرأسها (Kaat University) وأكدت فيها أن النيجر تعتبر من الدول القلائل التي قاومت سياسة فرنسا في الغرب الافريقي بدليل مقتل الرئيس النيجري الراحل Bare Mainassara Ibrahim  على يد  حارسه الشخصي وذلك بسبب عدم قبوله للسياسات الفرنسية التي تمارسها باريس على وطنه، وفي مجال الثقافة قاوم النيجريون ثقافة الإستعمار الفرنسي  بدليل أنه بعد أكثر من ستون عاماً على الإستقلال لا يتحدث النيجريون اللغة الفرنسية إلا نسبة قليلة وهذا ما أكده لي طلبة الجامعات الحكومية والخاصة التي زرتها في نيامي وبالتالي هناك رفض لسياسة باريس حتى على مستوى هرم الدولة.
أشكر مستشار البرلمان النيجري الدكتور محمد جيرو وجميع أعضاء حكومة جمهورية النيجر على إستضافتهم وكرم ضيافتهم.

د. أمينة العريمي
باحثة إماراتية في الشأن الافريقي  
@gulf_afro




الأحد، 28 يناير 2018

المرأة الأفريقية وسام الصدور
جلسة عمل مع السيدة روجيكا أبرز الشخصيات النسائية الأفريقية التي أمنت بمستقبل أفريقيا وأبنائها


في رحلتي لدول الغرب الأفريقي كثيراً ما ساورتني الحيرة وأنا أرى مستوى التقدم الذي وصلت له المرأة الأفريقية في جميع المجالات، فمنذ أن وطأت قدماي أرض الممالك الأفريقية القديمة مثل مملكة كانم برنو التي إمتدت من وسط أفريقيا وبالتحديد من الأراضي التشادية إلى الغرب الأفريقي إلى أن وصلت إلى مملكة كانجا مانسا موسى القديمة في مالي وأنا أكاد لا أصدق ما أراه، وجدت المرأة الأفريقية تسير بخطى ثابته ومُتقدمة بل وتفوقت على الرجل في الكثير من المجالات، فها هي رئيسة جمهورية أفريقيا الوسطى السابقة السيدة كاثرين بانزا التي قادت مرحلة السلام بين الميلشيات المتناحرة في العاصمة بانغي وضواحيها، والسيدة جويس باندا الرئيسة السابقة لجمهورية مالاوي التي قامت بتخفيض راتبها بنسبة 30% لصالح الشعب وعرضت طائرتها الرئاسية للبيع وإستغنت عن ستين مركبة رئاسية وبدأت أول برنامج إصلاحي في البلاد، ولا ننسى رئيسة جمهورية ليبيريا السيدة إلين جونسون سيرليف الحائزة على جائزة نويل للسلام والتي حكمت ليبيريا من عام 2006 وحتى 20  يناير 2018، والقائمة تطول، فأفريقيا قارة تزخر بنماذج نسائية واعدة أمنت أن مستقبل أفريقيا لن يتحقق إلا بتأمين مُستقبل أبنائها، ومن حسن حظي أن ألتقي بإحداهن، فقد جمعني العمل الميداني بالسيدة روجيكا واحدة من أبرز الشخصيات النسائية التي تكفلت وعلى نفقتها الخاصة برعاية الأطفال الفاقدين لأهلهم والذين تم إستغلالهم في الحروب، كما أنها قامت بتأمين تعليم هؤلاء الأطفال حتى المرحلة الثانوية ومن بعد ذلك يسهل دخولهم إلى الجامعات في بلدانهم.
أكثر ما أسعدني أن السيدة روجيكا ليست الوحيدة التي تمارس هذا النشاط الإنساني بل هناك نساء أخريات وظفن ثروتهن لخدمة المجتمع وأبناءه وسيجنين ما زرعنه يوماً ما، نعم هذه هي المرأة الأفريقية التي لا يرغب الإعلام الموازي بالتعرف عليها وإبراز إنسانيتها وعطائها والإكتفاء بإظهار الصور السلبية للقارة وأبنائها.

د. أمينة العريمي

باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي

@gulf_afro


الخميس، 28 ديسمبر 2017

التقارب التركي الصومالي السوداني (رؤية خليجية)

تبدو أنقرة في الصومال سباقة ومُنفردة بتأسيس كل ما هو " أكــبر" في علم العلاقات الدولية، فتركيا ترى في الصومال الركيزة الأساسية الأولى لتعزيز رؤيتها الإستراتيجية المُستقبلية تجاه القارة الأفريقية، يؤهلها في ذلك طاقم دبلوماسي مؤهل ساهم في نجاحها بإفتتاح " أكبر" سفارة تركية في العالم في العاصمة الصومالية مقديشو، تلته إفتتاح " أكبر" قاعدة عسكرية تركية في العالم على التراب الصومالي، ومن الجدير بالذكر أن عمل تلك القاعدة تدعمه مراكز تدريب عسكرية خاصة مُجهزة بأحدث الأجهزة، وسبق كل ذلك مُساهمة أنقرة في تطوير القطاع الخدمي الصومالي والذي كان من أبرز نتائجه إفتتاح "أكبر" مُستشفى في شرق أفريقيا بإدارة تركية وصومالية أطلق عليه "مستشفى مقديشو" والذي أصبح يستقبل مواطني دول الجوار الصومالي من جيبوتي وإرتيريا وأثيوبيا وكينيا، ناهيك عن تأسيس الجامعات والمدارس التركية التي باتت تنتشر في المدن والقرى الصومالية، فتركيا في الصومال تبدو كلاعب إقليمي يمتلك عدة أوراق يستطيع إستخدامها متى شاء، هذا فضلاً عن وجود قاعدة صومالية شعبية واسعة تدعم توجهات أنقرة في الصومال، أما في السودان فتبدو أنقرة أقرب لتحدي أطراف إقليمية تحاول منعها من إيجاد موطىء قدم في البحر الأحمر خاصة أن الخرطوم يُنظر إليه كشريك أساسي في التحالف العربي بقيادة الرياض، وتُشارك قواته في دعم الشرعية اليمنية، ومن ناحية أخرى فتور العلاقات المصرية السودانية بسبب الملفات العالقة بين الطرفين وأهمها ملف مثلث حلايب الذي ترى الخرطوم أنها لم تجد الدعم الخليجي الكافي حول هذا الملف.
 جاءت زيارة أوردغان للسودان إرساءاً لبزوغ عودة التواجد التركي في البحر الأحمر من البوابة السودانية، فما يهم أنقرة الأن هو تعزيز تواجدها في البحر الأحمر(السودان) والمحيط الهندي وخليج عدن (الصومال)، فالخرطوم بعد أن خُذلت من العرب لن تتوانى في إقامة تحالفات إستراتيجية حقيقية مع قوى إقليمية ترى فيها الخرطوم فرصة لإستعادة دورها القديم كلاعب إقليمي محوري وهذا حق أصيل للسودان، خاصة أن تلك القوى الإقليمية باتت تُشكل رقماً صعباً في السياسة الدولية، ولكن كيف سيُفهم التقارب التركي السوداني الصومالي في الخليج العربي وبالأخص في أروقة وزارات الخارجية الخليجية كلاً على حدة، خاصة أن كل وزارة خارجية خليجية لها رؤيتها السياسية الخاصة والتي لا تتوافق مع الأخرى بلا شك.
فلنبدأ بالصومال، حيث ترى بعض دول الخليج العربي أن التوجه التركي في الصومال حقق نتائجه بشكل أفضل ما حققته الدبلوماسية الخليجية ويرجع السبب في ذلك إلى عدة عوامل أهمها :
-. إستيعاب أنقرة لجذور المشكلة الصومالية قبل 1991 وما بعدها مما ساعدها في فهم الشخصية والمزاج الصومالي.
-. إدراك الجوار الإقليمي للصومال والتعاطي معه بما يصب في مصلحة السياسة التركية في الصومال.
-.وجود قاعدة شعبية صومالية ليست بالقليلة تدعم التوجهات التركية في بلادهم والتي تراها بأنها لا ترتكز على الإملاءات والضغوط السياسية.
 تلك الأسباب مجتمعه مع تضاعف الإستثمارات والتطوير الذي قادته تركيا في الصومال كانت كفيلة من وجهة النظر الخليجية بنجاح أنقرة في الصومال، إلا أن التقارب التركي الصومالي يزعج بعض دول الخليج التي لا تتفق رؤاها السياسية مع تركيا وبالتالي ترى في أنقرة مهدد لمصالحها في الصومال مما سيؤدي إلى حرب باردة بين الطرفين (الخليجي والتركي) بدأت تظهر بوادرها بظهور شخصيات صومالية بارزة تطالب بضرورة الضغط على النظام الصومالي لتغيير موقفه المُحايد من الأزمة الخليجية، إلا أن التواجد التركي في الصومال يدعم نظام الرئيس محمد فرماجو ويعطيه دافعا قوياً لمواجهة الضغوطات التي تُمارس عليه من الخارج والداخل الصومالي، وسيتضاعف عمل القاعدة العسكرية التركية في مقديشو لمنع أي تحرك عسكري ضد النظام الصومالي أو محاولة الإنقلاب عليه، خاصة أن أنقرة لديها رؤية كاملة ومدروسة عما يتعرض له الصومال من تجاذبات إقليمية، وتُدرك القيادة التركية وفي هذا التوقيت أن المعركة في الصومال ليست معركة سطوعلى السلطة بل هي معركة إستهداف الصومال كدولة ومحاولة حقيقية لتقسيمها وإنتزاع الإعتراف الدولي لأقاليمها شبه المستقلة.
أما السودان فترى بعض دول الخليج العربي أن التقارب التركي السوداني جاء مُتحدياً لها ومُنافساً لمصالحها في البحر الأحمر وهذه وجهة نظر تعززها القاهرة، وبالتالي ترى دول الخليج بأنه لابد من فهم أبعاد التقارب التركي السوداني قبل البدء بعمل ما لا تحمد عقباه، خاصة أن السودان شريك أساسي لبعض دول الخليج العربي وأي إجراء ضده ليس في صالح قوات التحالف العربي المُرابطة في اليمن، ولكن دعونا نأخذ الموضوع من وجهة النظر السودانية، فالخرطوم ترى أنها بعد أن شاركت مع قوات التحالف العربي وأنضمت كتائبها العسكرية مع الكتائب المقاتلة في اليمن أن المُقابل لا يساوي خسارة جنودها في اليمن، خاصة أن الشارع السوداني في مجمله والذي يقوده أبرز النخب السودانية يرى أن ما يجري من معارك ضارية في اليمن ليست من شأنه وليست معركته ولن تقدم للسودان كبلد الكثير وإن كانت ستقدم ثمناً للقيادات السياسية السودانية وهذا شأن أخر يتجادل فيه مواطني أرض المقرن.
زيارة الرئيس التركي للسودان إنتهت بإتفاقيات إقتصادية وتعاون عسكري سيعزز مكانة الخرطوم في محيطه وهذا ما تراقبه القاهره عن كثب، فتركيا تدرك أن وجودها في البحر الأحمر وإستلامها لمدينة "سواكن" السودانية سيدفع القاهرة لمزيد من القلق من عودة  الأتراك إلى عمقها الإستراتيجي، وبالتالي قد تلجأ القاهرة إلى البدء بعودة العلاقات المصرية التركية تدريجياً وهذا ما أعلنه وزير الخارجية المصري سامح شكري عن رغبة القاهرة بإستئناف العلاقات مع أنقرة مؤخرا،ً خاصة أن القاهرة باتت تُدرك أن توتر العلاقات مع أنقرة ليس في صالحها وستعمل القاهرة للحيلولة دون تفوق العلاقات السودانية التركية على حسابها.
السيناريوهات
السيناريو الأول : من المرجح أن تدعم الصين وروسيا وإيران المحور السوداني التركي خاصة أن الصين تعول على السودان ومع رفع العقوبات الأمريكية عن السودان قد تتحول الخرطوم لقاعدة مركزية لتفريغ وتوزيع البضائع الصينية، أما إيران ففي ظل التقارب السوداني التركي من الممكن أن تعود العلاقات السودانية الإيرانية تدريجياً إلا إنني أرى أن الخرطوم تمتلك من الحكمة ما سيمنعها من إعلان عودة العلاقات السودانية الإيرانية على المدى القصير والمتوسط.
السيناريو الثاني : من المرجح نشوء تحالف إستراتيجي من نوع خاص بين تركيا والصومال والسودان، وقد يكون ذلك التحالف دافعاً لدول أفريقية أخرى قد تتُطالب بالإنضمام إليه، وقد نرى قريباً قواعد عسكرية تركية في عدد من العواصم الأفريقية شبيهة بتلك التي في الصومال.
السيناريو الثالث: وصول أنقرة لسواحل البحر الأحمر سيدفع القاهرة إلى مُضاعفة تواجدها في مثلث حلايب المُتنازع عليه مع الخرطوم، وقد يدفع أطراف إقليمية إلى مواجهة أنقرة بشن حرب بالوكالة ضد المصالح التركية ومن يستضيفها.

ستجد بعض دول الخليج نفسها وحيدة أمام هذه التحالفات الجديدة في الشرق الأفريقي مما سيدفعها إلى تغيير رؤيتها المستقبلية، ولكني أخشى على دول الخليج العربي وبسبب إختلاف رؤاها السياسية وإنشغالها بالخلافات الجانبية التي أفرزتها الأزمة الخليجية وما تلاها من تصعيد طال أمن وسلامة المواطن الخليجي أن تُدرك متأخراً ما خسرته من حاضر ومستقبل لها ولشعوبها وحينها لن يكون أمام الشارع الخليجي إلا ترديد ما كان يقوله السفير الأمريكي الأسبق في تل ابيب مارتن انديك "الخليجي الجيد هو الخليجي الميت" وفي رواية أخرى "العربي الجيد هو العربي الميت" .

*مقال مقدم إلى مركز مقديشو للبحوث والدراسات الإستراتيجية 

د. أمينة العريمي
باحثة سياسية إماراتية في الشأن الأفريقي
@gulf_afro

  

الخميس، 21 ديسمبر 2017


في حضرة شخصية أفريقية
في منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة الذي اقيم في ابوظبي في ديسمبر 2017  كان لي شرف لقاء البروفيسور Khadim Mbacke هذة الشخصية "المدرسة" التي ينتمي ويتعلم منها جيلٌ بأكمله

يُقالُ أن الحياة غالباً ما تُنصفُ أحياءها الصادقين "فقط" وحتى أولئك الذين غادروها فلابد أنهم أخذوا ما ينصفهم من الحياة وإن إعتقدوا غير ذلك.
بعد إنقضاء رحلتي العلمية لدول الجنوب والغرب الأفريقي خرجتُ مُحملةً بالكثير من الأحداث والمواقف التي جمعتني بشخصيات أقل ما يُقال عنها أنها شخصيات "مدرسة" ، بمعنى أن كل شخصية من تلك الشخصيات بمثابة مدرسة ينتمي ويتعلم منها جيلٌ بأكمله، شخصيات لم ترتهن لمادة ولم تغير أشرعتها وفق ما تقتضيه مصلحتها الشخصية الضيقه، شخصيات أمنت بأن للأوطان ثمناً باهظاً لابد أن يُدفع حتى تبقى، شخصيات ترى أن الأوطان القوية لا تتقدم إلا بمواجهة أخطائها وتصحيح مسارها فإذا بها تسمو وتسمو معها الأوطان، نعم تلك الشخصيات التي خُلقت لتبقى فلا يغيبها الموت ولن تجهلها الحياة أبداً مهما حاول توافه البشر إقناعنا بعكس ذلك، تلك الشخصيات فقط التي عكست لي شخصياً الفارق الكبير بين شخصيات " المدرسة" وشخصيات " السِلع" كما أطلقتُ عليها، فهناك بشرٌ كالسِلع يعلمون أنهم سِلع ويقولون أنهم أثمنُ السِلع رغم يقينهم برخصهم وإلا ما صاروا سِلع، أعادوا اليوم عملية تسعير أنفسهم فلا غرابة فهكذا هي دورة السِلع.
من أبرز الشخصيات " المدرسة"  التي إلتقيت بها في الغرب الأفريقي هو البروفيسور   Khadim Mbacke  المُستشار السياسي البارز، وصاحب الموسوعة الثقافية الأولى في أفريقيا وتم تصنيفها عالمياً كأهم المراجع العلمية في العصر الحديث والتي تناولت طرق الحج القديمة من الغرب الافريقي إلى الأراضي المقدسة.
 جمعتني بالبروفيسور Khadim Mbacke  علاقة بدأت بالبحث العلمي الذي كنتُ أعده حينها، فقد مد لي يد العون لإستكمال دراساتي العلمية المُتخصصة في الشأن الأفريقي على أثر تقديمي لندوة علمية حول العلاقات الخليجية الأفريقية في المركز الأفريقي لشؤون السلام بحضور مندوبة الإتحاد الأفريقي، وتزويدي بشتى المصادر العلمية النادرة على أثر مشاركتي في مؤتمر الثقافة الأفريقي الذي قدمتُ فيه أوراق علمية تناولت فيها : طرق الحج في الأدب السنغالي، ومظاهر المقاومة الثقافية الأفريقية ضد الثقافة الغربية منذ الإستعمار حتى يومنا هذا.
 أنهيتُ دراساتي العلمية المُتخصصة في الشأن الأفريقي وعدتُ لوطني وما زلت أنهل من علم هذه الشخصية الجليلة التي تفخر بها القارة السمراء.
د. أمينة العريمي
باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
@gulf_afro