الأحد، 10 أبريل 2016







إيران " تاجكو" في أفريقيا
يقول المثل الأفريقي القديم " ما دامت النمور لا تمتلك مؤرخيها ، فإن حكايات الصيد ستظل تُمجد الصيادين".
بعد أن أعلنت السلطات الأمنية الغامبية في أواخر 2015 القبض على شحنة أسلحة إيرانية تحتوي على صواريخ من عيار 107 ملم مُصممة لمهاجمة أهداف ثابتة والتي تستخدمها الجيوش لدعم وحدات المشاة في طريقها إلى إحدى الدول الأفريقية (نيجيريا)، أقدمت الحكومة الغامبية برئاسة الرئيس يحيي جامع على طرد الدبلوماسيين الإيرانيين من أراضيها، وأعلنت قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وإلغاء جميع المشاريع المُبرمه بين بانجول وطهران، بعد إتهام غامبيا لإيران بمزوالتها أنشطة تخريبية على أراضيها،وتزامن ذلك بطرد مجموعة من رجال الأعمال الغامبيين "من أصول لبنانية " بعد إن إتهمتهم بانجول بممارسات تجارية غير مقبوله أضرت بالإقتصاد الغامبي وتشغيل شبكة أعمال أفريقية في عدد من الدول المجاورة مثل أنغولا والكونغو الديموقراطية والسيراليون لصالح طهران والتنظيمات التي تدعمها، وأعطتهم مهلة لمدة ثلاثون يوماً لإغلاق جميع شركاتهم المحلية التي إعتبرتها بانجول واجهة لطهران في أفريقيا، إلا أن تقرير وزارة الخزانة الأمريكية جاء مُؤخراً ليؤكد عن كشفه لتفاصيل شبكة التمويل الأولى لإيران في أفريقيا " جنوب الصحراء" والتي أطلق عليها " شبكة /Tajco"، والتي قامت بتبيض أموال لصالح الجمهورية الإيرانية والتنظيمات الإرهابية التي تتلقى دعماً أمنياً ومادياً "لوجستيا" من طهران.
نجحت شبكة " تاجكو" في تأسيس شركات تعمل في مجال الإستثمارات العقارية ( بناء مساكن ، فنادق، مجمعات تجارية ومصانع للمواد الغذائية ) مثلAfrosfran ، Afribelg، Golfrate، في بعض الدول الأفريقية " جنوب الصحراء" مثل: أنغولا، غامبيا ، الكونغو الديموقراطية، والسيراليون، وجزر فيرجن البريطانية، وسنأتي على ذكرها بالتفصيل.
شهدت كينشاسا عاصمة الزعيم الروحي للكونغو الديموقراطية " باتريس لومومبا" نشاطاً إيرانياً غير مسبوق بدءاً بتأسيس مدارس دار الهدي والجمعية الإسلامية لأهل البيت، والإيخاء الإسلامي، ومسجد الرسول الأعظم، والمؤسسة الخيرية للبحوث الإسلامية والرعاية الإجتماعية للمسلمين الجدد والتي حملت رمز (I.R.W.F.A) في مدينة كيكويت الكونغولية والتي أعلنت على لسان رئيسها العام السيد ( دانغاما جيري سليمان ) أنها تُمارس دورها في " التبليغ المذهبي"، وإنتهاءاً بتأسيس شركة "Ovlas وشركة "الكونغو فوتور" والتي تبدو ظاهرياً أنها شركة للمُنتجات الغذائية، إلا أنها في واقع الحال شركة لتجارة الألماس، أو ما يُعرف بـ"ماس الحروب"، والمقصود بـ"ماس الحروب" أي المُستخرج من مناطق النزاعات، ومن الجدير بالذكر أن دولة بوروندي والتي لا تنتج الذهب، والماس، والرصاص، والكوبالت قامت بتصدير هذه المعادن جميعها وفي وقت واحد بالتزامن مع وجود قواتها في الأجزاء الغربية لجمهورية الكونغو الديموقراطية ، الكونغو-كينشاسا ما زالت إلى اليوم منجماً للثروات الطبيعية ولكنها تعيش في دوامة من الإستغلال والإنتهاك الغير قانوني للثروات الطبيعية بصورة تستدعي دق جرس الإنذار، من المُفارقات المؤلمة إنني أثناء سفري من جنوب إفريقيا ( بريتوريا) إلى روندا (كيغالي) توقفت في مقاطعة باندوندو الكونغولية وبالتحديد في مدينة كيكويت وأصطحبني أحد الأصدقاء إلى ندوة تتحدث عن تاريخ شركة “De Beers في أفريقيا "جنوب الصحراء" والذي يرجع لعام1881، والمستحوذة على سوق الألماس العالمي، وخرجت من تلك الندوة لا أتذكر شيئاً إلا ما قاله أحد المتواجدين في القاعه " أفريقيا جنوب الصحراء واقعة تحت وطأة ما يسمى مصلحة (win-win) المُربحة لجميع الأطراف التي تتنافس على خيراتها ما عدا الأطراف الوطنية وهذا ما كان يُحاربه رموز أفريقيا ودفعوا حياتهم ثمناً لها .
 أما في أنغولا ( لوندا ) فتم تأسيس شركة ((Golfrate المملوكة بالكامل لشركة Ovlas  التجارية، والتي تعتبر جزء من العمليات الرئيسية لشبكة "تاجكو"، أما في غامبيا فتم تأسيس أكبر مبنى تجاري (Kairaba) التابع لشبكة "تاجكو" ويضم فندق وأسواق تجارية ساهمت -كما تقول -بتوفير الكثير من فرص العمل لمئات الغامبيين مما ساعد في خفض البطالة، ومن الجدير بالذكر أن ( تاجكو) تعتبر أهم مستوردي الأرز والدقيق والسلع الأساسية في بانجول (غامبيا)، والغريب أنه بعد أن أعلنت السلطات الغامبية القبض على أفراد شبكة تاجكو أصدر الرئيس  الغامبي ( يحيي جامع) عفواً رئاسياً عن أحد أفراد تلك الشبكة، وتم إنهاء تلك القضية وحفظها في دلالة واضحة على حجم الوجود والتأثير الإيراني في تلك المنطقة البعيدة عن الإهتمام العربي والخليجي، أما في أنغولا، فقد قررت الحكومة الأنغولية إيقاف نشاط الشركات التابعة لشبكة " تاجكو" بسبب الإضرار بالإقتصاد الأنغولي، ومساعدة تنظيمات إرهابية، وحاولت طهران عن طريق رجال الأعمال الذين أوفدتهم إلى لوندا للتفاوض مع الحكومة الأنغولية للوصول إلى إتفاق كالشراكة مثلاً، ولكن السلطات الأمنية في لوندا لم تسمح بذلك ، ومن الجدير بالذكر أن أنغولا أعلنت أن هناك شركات على أراضيها متورطة بالشراكة مع شبكة تاجكو مثل شركة (Arosfran) والتي  قامت السلطات الأمنية الأنغولية بترحيل جميع العاملين فيها بسبب وضعهم الغير القانوني، وممارستهم لعمليات غسيل الأموال والإرهاب لصالح طهران، وأصدر القضاء الأنغولي حكمه بحظر دخولهم للأراضي الأنغولية لمدة 20 عاماً، وأعلن بنك الإستثمار الأفريقي أنه منع حسابات ثلاث شركات وهي : Afrosfran  ، و Afribelg، و، Golfrate، التابعه لشركة (تاجكو /Tajco )، بإعتبارها جهات مانحة لتنظيمات إرهابية.
بدت شبكة  " تاجكو " بعد كشفها عبارة عن شبكة متعددة الجنسيات ، تقوم بضخ ملايين الدولارات لتضمن معاقل جغرافية وإستراتيجية للجمهورية الإيرانية ومن تقوم بدعمه من تنظيمات وميلشيات سواء في أفريقيا أو في مكان أخر من هذا العالم ، كانت تلك الشبكة تسمى في أفريقيا  بــ " الشبكة المالية " لطهران ومن تدعمه من تنظيمات حيث إنها تقوم بجمع التبرعات لتقديم الدعم للتنظيمات والأنشطة الإيرانية ليس فقط في القارة السمراء بل إمتد نشاط تلك الشبكة في أسيا فعلى سبيل المثال تم تأسيس  مدينة للألعاب المائية مؤخراً في محافظة النجف الأشرف العراقية بحضور محافظ النجف ( عدنان الزرفي)، كما كانت تعمل تلك الشبكة بإعتبارها الكيان الرئيسي لشراء وتطوير العقارات نيابة عن طهران وتحت إسم (TAJCO LLCإلا أن ما يُقلق أن تلك الأموال المُتولدة في هذه الإقتصادات الضعيفة وغير المُنظمة في بعض الدول الأفريقية " جنوب الصحراء" في كثير من الأحيان يمكن أن تنجح في دعم المنظمات الإرهابية في أفريقيا ، مثل بوكو حرام في نيجيريا، وحركة الشباب المُجاهدين في الصومال مما سوف يسهل ضرب المصالح الخليجية والعربية في أفريقيا "جنوب الصحراء"، خاصة أن طهران تُفضل تحقيق مصالحها الإستراتيجية حتى لو تعارضت مع أيدلوجيتها الدينية والطائفية ولنا في موقفها مع أذربيجان " المسلمة والتي تشارك طهران في مذهبها" والتي كانت في حالة حرب مع أرمينيا عبرة حسنة.
نجحت طهران في تعويض تهميشها بالتنسيق مع دول الساحة الأفريقية،وبعد التوقيع على الإتفاق النووي تضاعف إصرارطهران على نقل معركتها إلى اليمن والبحرالأحمر،مما يؤكد أن التوجهات الإيرانية الإقتصادية ستكون عامل ثابت،وستوسع إيران نفوذها في أفريقيا وستجد الدول الأفريقية مُبرراً لتطويرعلاقتها مع إيران بعد أن تم وضع حد للعراقيل التي كانت تقيد طهران في أفريقيا في ظل غياب مشروع ورؤية خليجية عربية إستراتيجية واضحة.
 تم نشر المقال في جريدة الفجر الإماراتية على الرابط التالي :
وتم نشر المقال في جريدة الحصيلة الكويتية على الرابط التالي :

أمــــينة الــعريمــــي
بـــــاحثة إمــــاراتــــية فـــي الــــشأن الأفـــريــقـــي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق